بغداد كما الشمس لا تُحجب بغربال

“بغداد ما اشتبكت عليكِ الاعصرُ
إلا ذوت ووريق عمرك أخضرُ
مرّت بك الدنيا وصبحك مشمسٌ
ودجت عليك ووجه ليلك مقمرُ”
رانت لي وترآت مقدمة أبيات الشاعر ورجل الدين مصطفى جمال الدين،تلك التي أستهليتُ ببيتيّن منها مدخلاً لعمودي لخميس هذا اليوم “10 تشرين أول”وأنا أهمُّ بالدخول إلى بغداد بعد قرابة عام ونصف لم أزرها،ولم تزرنِ إلأ بالخيال و حلاوة الاحلام عائدأً منها إلى آربيل حيث أقيم منذ ست سنوات،مكثتُ ببغداد عشرة أيام متواصلة،لعلها مدة كافية لإعطاء تصوّراً عاماً وإبداء تقييم يتسّم بالموضوعية والدقة،لم تفتنِ لحظة من غير أن أقارن بين ما كانت عليه حبيبتي بغداد منذ سنوات خلت،وبين ما وصل الحال بمدينة السلام بما هي عليه “الأن،”وأعني بالسنوات التي خلت ومضت مثقلة بأحداث ومصائب القتل والتفخيخ وكل وسائل الرعب والغموض الذي كان يلّفها،عدا الازدحامات والاختناقات المروية وشح الإضاءة ونقص الخدمات بأبسط مستوياتها وغيرها من علائم الحزن والارباك، وأعني ب”الآن” جمالها الآسر وبناياتها ياتها المضاءة والمزدانة بالنور واللوّن ونظافة شوراعها ولمسات تنظيم مرورها وكل ما جعل منها وجهاً مشرقاً،عطراً يليق بها وبعمق تأريخها وصيتها وعلو شأنها ودواعي خلودها في ذواكر وضمائروخواطر كل عشاقها ومحبيها الأزليون،لستُ بالبعيد عنها مهما غبت أو أنشغلت،ولكن لطعم زيارتي الاخيرة -قبل أيام- مذاق آخر،بعد الذي رايته بأمّ عيني غير ما كنت أسمع وأستغربد
،وأحيانا أصاب بالاحباط وببعض أوجاع الروح حين تعيا وتتعب حين لا تجد من منفذ أومخرج لخلاص يحيها ويسليها وينعشها،بغداد “اليوم” غير ما كانت بأيام وسنوات الهم والفوضى وسوء التقدير والفهم وجدارة الحرص وتخبّط التخطيط، في كل شيىء،برغم جهود ومحاولات من تقاطر عليها عبر العديد ممن شغل منصب أمينها، بغداد بعمق تأريخها ونبضها وألقها الحضاري ،فالحضارة كما هي الانهر قد تتوّقف لكنها لا تعود إلى الوراء،بغداد تحمل بذرات قوتها بدواخلها،بنسيج بناءها وتراص قدرتها في التحدي والتحّمل والبقاء رغم كل ما يقع على كاهلها من مصائب ونوائب وأهوال تبقى مرفوعة الرأس،عالية الشأن والمكانة والرفعة والسمو،نعم وبكل تأكيد…ليس ثمة إرتفاع من دون عمق… فكيف لا وهي الحاضر والماضي وما يؤشر به المستقبل نحو حقيقة عمقها وغراس جذورها، هنا أود شق غبار كل هذا الكلام لكي أفصح عن كل ما كنتُ أسمع وأهجس،هو عكس ما هو حاصل،وأنا أرى بغداد ،،
بغدادي ،،بغدادكم،،بغداد كل العراق وزهوه وعزه وبقاءه، نراها تستعيد عافيها وتنتفسّ عطر وأهواء سعادة ماهي عليه اليوم من فتنة وجمال ودعة وأثر حضور في نفوس وعقول وقلوب ممن يرون الحقيقة بأكثر من العين،فالشمس ..ياااجماعة الخير.. لا تُحجب بغربال،مهما طغى الظلام وطال.

حسن عبد الحميد

العراق

hasanhameed2000@yahoo.com

Comments are closed.