كشف تقرير استقصائي عن دور استخباراتي بريطاني فعال لتهيئة جيل من السياسيين العراقيين الشباب وتدريبهم على التأثير السريع بغية العمل لهم كوكلاء سياسيين في الحكومة العراقية.
وذكر التقرير الذي كتبه الصحفي الاستقصائي البريطاني كيت كلارينبيرغ المتخصص في دور أجهزة المخابرات بالتأثير السياسي، أن المخابرات البريطانية تعمل منذ عام 2016 في مشروع “القيادة السياسية الشبابية” في العراق وبإشراف وزارة الخارجية البريطانية.
وأكد كلارينبيرغ في التقرير الذي نشر في مجلة “ذي كرادل” المعنية بالشؤون السياسية لدول غرب آسيا، على أن الخطة الاستخباراتية البريطانية غير مستغربة وفقا للمقولة التاريخية السائدة في العراق منذ عشرينات القرن الماضي التي تتحدث عن وجود جملة “صنع في بريطانيا” في إشارة ساخرة إلى تاريخ بريطانيا “في اختيار العملاء سراً لتعزيز مصالحها الخبيثة في جميع أنحاء المنطقة”.
وطور “أم آي 6” استراتيجية حديثة تتصف بالدهاء والفعالية بالاعتماد على سياسيين من خارج الطبقة الدينية والطائفية تكون موضع ثقة بالنسبة للسلطات البريطانية.

وكشفت الوثائق ان الخطة المسماة “القيادة السياسية الشبابية” كان يفترض أن تستمر سنة واحدة منذ عام 2016، الا ان الحاجة بدت ماسة لاستمرارها أكثر، حيث سعت بريطانيا إلى “التعرف على الشباب العراقي (…) الذين سينضمون إلى العملية السياسية التي تم انشاؤها من قبل قوات الاحتلال الأمريكي عام 2003 وبدعم بريطاني، وتدريبهم على قيم التمثيل الحكومي والمهارات السياسية”.
وتهدف الخطة الاستخبارية البريطانية إلى أن يتم تزويد البرلمان والحكومة في العراق على حد سواء بطبقة “مهنية” وشابة من الشخصيات السياسية التي يمكن الاعتماد عليها لخدمة مصالح لندن كعملاء.
ومن شأن “تدفق هؤلاء الشباب العراقيين” وفق الاستراتيجية الاستخباراتية أن “يفيد” بريطانيا، لا سيما من خلال تسهيل استراتيجية مجلس الأمن القومي الذي يعد ملف العملية السياسية في العراق من أولوياته.
وتم الاستعانة بمحاضرين وسياسيين بريطانيين وغير بريطانيين وتكليفهم بوضع خطة شاملة لضمان قدرة سياسي المستقبل من العراقيين في التأثير على النحو الأمثل على الناخبين.
وتم اختيار العراقيين من الجنسين الذين تتراوح أعمارهم بين 27 عاما أو أقل ليكونوا “رجال بريطانيا في الحكومة العراقية” في تعبير أقل وطأة من استخدام مفردة “عملاء”.
وكان من المقرر أن يخضع المتدربون لعملية “مراقبة وتقييم” مكثفة أثناء الدورة التدريبية وبعدها يتم اختيار المتميزين منهم للسفر إلى لندن والدخول في دورة تدريبية تعدهم لمستقبل سياسي في العراق يدار من الاستخبارات البريطانية بالتعاون مع السفارة البريطانية في بغداد.
وعزا كلارينبيرغ الاستراتيجية البريطانية لإعداد جيل سياسي عراقي بولاء بريطاني، إلى فشل العملية السياسية التي تشكلت بعد الاحتلال غير المشروع للعراق، وفقدان الثقة المطلقة من قبل العراقيين بالطبقة السياسية والأحزاب الحاكمة.
وقال إن الاحتجاجات المتصاعدة ضد الطبقة الحاكمة في مدن العراق تشير بوضوح إلى أن هناك حاجة ملحة لمعالجة فشل المؤسسة السياسية العراقية في تشكيل حكومة فعالة.
وكشفت تظاهرات ثورة تشرين في العراق النقمة الشعبية على الأحزاب والطبقة السياسية الحاكمة والفساد المتفشي على مستوى عال، والجمود الحكومي الذي لا ينتهي.
ونقل كلارينبيرغ عن مصادر بحثية وأمنية تحذيرها بأن ما لم يتم اتخاذ خطوات لتوفير السبل للجيل القادم من العراقيين لدخول مجلس النواب، فإن الأحزاب والسياسيين الفاسدين والفاشلين سيستمرون في السيطرة على المشهد، مما يؤدي إلى زيادة الإحباط والاضطرابات الاجتماعية.
وفي إشارة سياسية منحرفة كشفت الوثائق المسربة من الاستخبارات البريطانية عن دورها في صنع القرارات داخل الحكومات المتتالية بعد الاحتلال، وكيف عملت عن كثب مع رؤساء الحكومات ونوابهم في تقرير مصير البلاد.
وأشارت إلى ان يد وزارة الخارجية البريطانية تواصل توجيه الحكومة في بغداد وتقرير سياساتها واختيار وجوهها العامة، بطريقة مخفية عن الأنظار.
وقال كلارينبيرغ إن الوثائق الاستخباراتية المسربة تمنحنا نظرة واضحة حول كيفية متابعة بريطانيا لطموحاتها الإمبريالية في العصر الحديث.
ويبدو الدور البريطاني في العراق أكثر فعالية في السنوات الأخيرة بعد أن انشغلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بملفات خارجية لم يكن الوضع في العراق بين أولوياتها.
Comments are closed.