هل أصبح السلام بين سوريا و”إسرائيل” قريباً؟

دمشق (عربي times )

في لحظة فارقة من تاريخها المعاصر تقف “سوريا الجديدة” على أعتاب تحولات دبلوماسية كبرى، مع مساعي الحكومة بقيادة الرئيس أحمد الشرع لترميم العلاقات الإقليمية والدولية.

فمنذ بداية عام 2025، تتبنى دمشق خطاباً أكثر براغماتية تجاه العلاقات الإقليمية، خصوصاً “إسرائيل”، في خطوة تهدف لاحتواء تصعيدها العسكري منذ سقوط الأسد، في 8 ديسمبر الماضي.

وتخشى القيادة السورية من أن يؤدي استمرار التصعيد الإسرائيلي إلى إفشال مساعيها لتحقيق الاستقرار الداخلي والبدء بإعادة الإعمار وبرسم النظام السياسي الجديد، فهل أصبحت دمشق قريبة من السلام مع تل أبيب؟ أم أن الطريق لا يزال بعيداً جداً؟

وفي الأيام التي تلت الإطاحة بالأسد، أمر نتنياهو بشن هجوم بري غير مسبوق في سوريا خرق به اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974، وسيطر على مناطق داخل محافظة القنيطرة والجزء السوري من جبل الشيخ، فيما حافظت السلطات السورية على ضبط النفس مع توجه اهتماماتها نحو الداخل السوري والحفاظ على السلم الأهلي.

كما كثفت تل أبيب عملياتها العسكرية في سوريا منذ الإطاحة بالأسد، حيث نفذت أكثر من 700 غارة إسرائيلية، منذ ديسمبر الماضي، شملت استهداف مواقع استراتيجية، بينها أسلحة ثقيلة ومرافق دفاع جوي، وغارة نادرة على مقربة من القصر الرئاسي في دمشق، مطلع مايو الجاري،

ومنذ ذلك الحين برزت وساطات إقليمية أهمها الإماراتية، بحسب “رويترز”، وقد أكد الشرع لاحقاً وجود مفاوضات غير مباشرة مع “إسرائيل” خلال زيارته لباريس، مطلع مايو الجاري.

لكن أحدث تطور هو ما كشفت عنه كالة “رويترز” (الثلاثاء 27 مايو) نقلاً عن مصادر مطلعة لم تسمها، عن أن “إسرائيل” وسوريا عقدتا خلال الأسابيع الأخيرة اجتماعات وجهاً لوجه تهدف إلى تهدئة التوترات وخفض التصعيد، ومنع نشوب صراع في المنطقة الحدودية بين الجانبين.

وبحسب الوكالة، تُبنى هذه الاتصالات على محادثات غير معلنة جرت عبر وسطاء، بحسب مصدرين سوريين ومصدرين غربيين، إضافة إلى مصدر استخباري إقليمي مطلع على الاجتماعات.

وتحدثت المصادر، بشرط عدم الكشف عن هويتها، أن “الاتصالات على الجانب السوري يقودها المسؤول الأمني البارز أحمد الدالاتي، الذي عُيّن محافظاً لمحافظة القنيطرة المتاخمة لمرتفعات الجولان”.

وقالت ثلاثة من المصادر إن هناك عدة جولات من الاجتماعات المباشرة عُقدت في المنطقة الحدودية، ومنها داخل أراضٍ تسيطر عليها “إسرائيل”.

وذكر شخص مطلع على المحادثات: “في الوقت الراهن، فإن المحادثات تدور حول السلام وليس التطبيع”.

كما تم تكليف الدالاتي أيضاً، في وقت سابق من هذا الأسبوع، بالإشراف على الملف الأمني في محافظة السويداء الجنوبية التي تقطنها الأقلية الدرزية في سوريا.

لكن الدالاتي نفى، بحسب قناة “الإخبارية” السورية، صحة تقرير “رويترز”، مؤكداً أن “القيادة السورية تواصل القيام بكافة الإجراءات الضرورية لحماية الشعب السوري والدفاع عن سيادة ووحدة أراضي الجمهورية وذلك باستخدام جميع الوسائل المشروعة”.

وسبق أن أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في أكثر من مناسبة، آخرها خلال خطابه أمام مجلس الأمن الدولي، أواخر أبريل الماضي، أن “سوريا الجديدة لن تكون مصدراً لعدم الاستقرار لأي طرف في المنطقة، ومن ضمن ذلك إسرائيل”، مشيراً إلى أن “الاعتداءات العسكرية المتكررة على الأراضي السورية تشكل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي”.

الرئيس الشرع نفسه سبق أن تحدث عن العلاقة المعقدة مع تل أبيب، ففي أبريل الماضي، خلال لقاء مع وفد من الكونغرس الأمريكي، أبدى استعداده لـ”دراسة أي إطار إقليمي يضمن السيادة السورية والاستقرار في الجنوب”، لكنه أشار إلى أن بلاده لن تنضم إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، موضحاً أن الدول العربية التي أبرمتها ليس لها أراضٍ محتلة من “إسرائيل”.

وبحسب عضو الكونغرس مارلين ستوتزمان، فإن الشرع طرح مطالب أساسية حول العلاقة مع تل أبيب، تشمل وقف القصف الإسرائيلي للأراضي السورية، والحفاظ على وحدة البلاد، والتوصل إلى تفاهم حول الوجود الإسرائيلي في مناطق مثل جبل الشيخ والمنطقة العازلة.

مراقبون إسرائيليون سبق أن وجهوا انتقادات حادة لما قام به نتنياهو بعد سقوط الأسد، أبرزها من الكاتب الإسرائيلي إيال زيسر، في مقال نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم”، في مارس الماضي، الذي حذر من مخاطر تورّط تل أبيب في مغامرة عسكرية في سوريا.

واعتبر في مقاله أن حكومة نتنياهو ارتكبت، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، “كل خطأ ممكن” في تعاملها مع الوضع السوري الجديد.

اما عن مزاعم تل أبيب بحماية دروز سوريا فقد أوضح أنهم “مثل إخوانهم في لبنان وفي إسرائيل، يرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من الدولة التي يعيشون فيها، ولا يريدون أن يوصم مستقبلهم بالتعاون مع إسرائيل”.

كما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، الذي خاض مفاوضات سلام مع نظام بشار الأسد عام 2007، حكومة نتنياهو إلى التواصل مع الإدارة السورية الجديدة وفتح حوار معها.

وأضاف أولمرت في مقابلة مع موقع “المونيتور” الأمريكي، في مارس الماضي، أن “على إسرائيل أن تبلغ الرئيس السوري بأن تل أبيب مستعدة للحوار”، مشيراً إلى أن “إسرائيل يجب أن تسعى إلى الهدوء والتفاهمات الأمنية على المدى القريب، وأن تتوصل إلى معاهدة سلام مع حكومة دمشق على المدى الأبعد”.

ويرى موسى قرقور المحلل المتخصص بقضايا الحرب والنزاعات، أن سوريا قد تنضم إلى الاتفاقيات الإبراهيمية بتشجيع من بعض دول المنطقة، من أجل أن يعم السلام، إلا أنه يشرح العقبات التي تواجه هذه الخطوة لـ”الخليج أونلاين” قائلاً:

  • انضمام سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية لن يكون خطوة مجانية أو رمزية، فدمشق تضع مجموعة من الشروط السياسية والاقتصادية الواضحة.

  • أهم هذه الشروط استمرار رفع العقوبات المفروضة عليها، إضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية لإعادة إعمار البلاد.

  • سوريا تريد ضمانات دولية حقيقية تحول دون تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها.

  • بحسب ما تشير إليه بعض المصادر الإعلامية وحتى التصريحات الرسمية، فسوريا لا تمانع في الانخراط في ترتيبات إقليمية سلمية مع “إسرائيل” طالما أنها تخدم مصلحة شعبها وتضمن سيادتها واستقرارها.

  • لكن لا بد من الإشارة إلى أن استعادة الجولان السوري المحتل قضية مركزية في أي مفاوضات أو اتفاقات سلام، ولا يمكن تجاهل هذه المسألة في أي تسوية عادلة وشاملة.

  • الكرة في ملعب الجانب الإسرائيلي، الذي عليه أن يظهر التزاماً حقيقياً تجاه السلام مع سوريا، بعيداً عن التصعيد أو محاولات فرض الأمر الواقع بالقوة.

  • الحكومة السورية لا تطلب سوى ما تطلبه أي دولة ذات سيادة، احترام الحدود وعدم الاعتداء أو تهديد وحدة سوريا، لتوفير مناخ آمن يسمح لها بالتفرغ لإعادة بناء ما دمرته الحرب.

ومنذ عام 1948 وحتى اليوم فإن سوريا و”إسرائيل” في حالة حرب رسمية، حيث خاضت معها 3 حروب: 48 و67 و73، ورغم مرور هذه السنوات الطويلة ظل الهدوء النسبي سيد الموقف، وظلت جبهة الجولان إحدى أكثر الجبهات تعقيداً في الصراع العربي الإسرائيلي.

أحد أبرز محاور الصراع مع تل أبيب هو هضبة الجولان -التي ينتمي لها الشرع- حيث أعلنت ضمها رسمياً عام 1981، في خطوة لم تعترف بها الأمم المتحدة، لكن الولايات المتحدة اعترفت بذلك عام 2019.

ورغم مطالبات النظام السوري السابق الدائمة باستعادة الجولان، فإنه اكتفى منذ توقع اتفاقية فض الاشتباك عام 1974 بتثبيت حالة “اللاحرب واللاسلم”، وخاض سلسلة مفاوضات سلام مع “إسرائيل” هي:

  • مفاوضات مدريد 1991، التي أطلقت برعاية أمريكية بعد حرب الخليج الثانية.
  • مفاوضات 1996 برعاية أمريكية.
  • محادثات واشنطن وشيبردزتاون 2000، التي وصلت لأعتاب اتفاق لولا خلاف حاد حول حدود بحيرة طبريا.
  • وساطة تركية في عام 2007، لكنها انهارت مع اندلاع الحرب في غزة عام 2008، ثم لاحقاً مع اندلاع الثورة السورية عام 2011.

وفي 23 مايو 2025، كشف مسؤول إسرائيلي لقناة “العربية”، عن أن نظام الأسد حاول في أيامه الأخيرة إبرام اتفاق سلام مع “إسرائيل” عبر روسيا، لكن حكومة نتنياهو رفضته.

Comments are closed.