بعد بوليفيا.. هل تتجه أمريكا اللاتينية أكثر نحو “أجندة” ترامب؟

سوكريه (عربي times )

أحدث فوز رودريغو باز في الانتخابات الرئاسية البوليفية تحولاً سياسياً غير مسبوق في البلاد، أنهى عقدين من الحكم الاشتراكي لحزب الحركة من أجل الاشتراكية (MAS)، وأعاد بوليفيا إلى محور النفوذ الأمريكي.

وذكرت صحيفة “التايمز” أن بوليفيا لم تكن ضمن أولويات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا، غير أن هذا الانتصار الانتخابي دفعها فجأة إلى صدارة أجندة واشنطن، التي باتت تنظر إلى أمريكا اللاتينية كمنطقة اختبار جديدة لسياساتها الخارجية.

ووصف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الانتخابات بأنها “فرصة تحويلية”، مؤكدًا استعداد واشنطن للشراكة مع الحكومة الجديدة في لاباز.

وردّ ترامب بتصريح لافت قال فيه: “مثل بوليفيا، هناك العديد من البلدان الأخرى في طريقها إلينا”، في إشارة إلى طموح الإدارة الأمريكية لاستعادة نفوذها التقليدي في المنطقة، بعد سنوات من التراجع أمام الصين وروسيا.

ويأتي هذا التحول في لحظة حرجة تمر فيها بوليفيا بأزمة اقتصادية خانقة، بعدما انهارت احتياطاتها من الدولار في العام 2023، وتفاقم نقص الوقود، وارتفع التضخم والدّين العام.

وتواجه لاباز تحدياً مزدوجاً: إنقاذ الاقتصاد المحلي، وكسب دعم واشنطن دون الظهور كامتداد سياسي لها، في بلد يحمل ذاكرة طويلة من الشك في النوايا الأمريكية منذ عهد الرئيس السابق إيفو موراليس، الذي طرد السفير الأمريكي، العام 2008، واتهمه بالتآمر.

وكشفت الصحيفة أن ما حدث في بوليفيا لا يُعد حالة معزولة، بل جزءًا من نمط أوسع من التحولات السياسية في أمريكا اللاتينية؛ فعلى مدى السنوات الأخيرة، أفرزت الأزمات الاقتصادية وتراجع الثقة في الحكومات اليسارية صعود تيارات يمينية وشعبوية جديدة، تتبنى نهجًا أكثر انفتاحًا على السوق الحرة والعلاقات مع واشنطن.

فالأرجنتين، والسلفادور، والإكوادور، قدمت بالفعل نماذج لهذا التحول مع صعود خافيير ميلي، وناييب بوكيلي، ودانيال نوبوا، فيما تستعد تشيلي، وكولومبيا، لانتخابات قد تشهد نتائج مشابهة.

ويُرجّح أن تشكل بوليفيا حلقة إضافية في سلسلة الانتقالات السياسية نحو اليمين، مدفوعة بعقاب شعبي للحكومات اليسارية التي فشلت في تلبية وعودها الاجتماعية.

ويقول الخبير الأمريكي بنيامين جيدان للصحيفة إن فوز باز يمثل “فرصة لبوليفيا لإعادة بناء اقتصادها بالشراكة مع واشنطن ومؤسساتها المالية الدولية”، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، مضيفًا أن الحكومة الجديدة “ترث كارثة اقتصادية حقيقية، وستحتاج إلى دعم خارجي واسع”.

ويرى مراقبون أن إدارة ترامب ستستغل هذه اللحظة لتعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي في القارة، لا سيما عبر اتفاقات الاستثمار، والطاقة، والبنية التحتية.

ترى إدارة ترامب أن تقوية علاقاتها مع حكومات يمينية صديقة في أمريكا اللاتينية يخدم أهدافًا إستراتيجية أوسع، تشمل تقليص الهجرة غير الشرعية، وتفكيك شبكات تهريب المخدرات، ومواجهة النفوذ الصيني المتزايد في القارة.

إلا أن التركيز الأمريكي الراهن ينصبّ على فنزويلا، التي تمثل آخر معقل بارز للتيار اليساري المناهض لواشنطن بقيادة نيكولاس مادورو.

وخلال الأسابيع الماضية، نفذت القوات الأمريكية 6 ضربات على سفن يُعتقد أنها تنقل مخدرات قرب السواحل الفنزويلية، ما أسفر عن مقتل نحو 30 شخصًا، في رسالة ضغط واضحة على كاراكاس. وتخشى الحكومة الفنزويلية أن تكون هذه العمليات مقدمة لتصعيد أكبر.

ويرى المحلل جيمس بوسورث أن “إدارة ترامب أمام فرصة لبناء تحالف إقليمي لممارسة ضغط منسق على نظام مادورو، واستعادة الديمقراطية في فنزويلا”، لكنه حذّر من أن التجربة الفاشلة، في العام 2019، قد تدفع واشنطن إلى التحرك الأحادي بدل التعاون المتعدد الأطراف.

بهذا المعنى، فإن فوز باز في بوليفيا لا يُعدّ حدثًا داخليًا فحسب، بل يعد مؤشراً على عودة أمريكا اللاتينية إلى قلب الاهتمام الأمريكي، في إطار رؤية ترامب لإعادة تشكيل التحالفات التقليدية للولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي.

وبينما تترقب المنطقة موجة انتخابات جديدة العام المقبل، يبدو أن القارة تتجه تدريجياً نحو يمين أكثر قرباً من واشنطن، في مشهد يعيد رسم التوازن السياسي بعد عقدين من صعود اليسار اللاتيني.

 

Comments are closed.