كيف تحولت “الدمى”إلى مصدر تخويف؟

لندن (عربي times)

من عروس الحسد و”خيال المآتة” “الفزاعة” في التراث العربي، إلى “الماتريوشكا” الروسية (دمى متناقصة الحجم توضع بداخل بعضها بعضاً)، وصولاً إلى “روبرت الدمية”، ومن ثم “تشاكي” و”أنابيل”، لطالما كانت عرائس الأطفال مادة للخيال والقصص الشعبية المتوارثة، وهو أمر يختلف كثيراً عن دمى شهيرة ملونة ومبهجة مثل “باربي” المدللة وغيرها، أو حتى أوبريتات العرائس الشهيرة مثل “الليلة الكبيرة”، إذ تقتصر على حكايات غير مألوفة من التراث الشعبي تتحول بمرور الوقت إلى كوابيس مرعبة للصغار وحتى الكبار، ومن ثم تجد طريقها للشاشة.

مجسم لكائن بشري من الخشب أو الأقمشة المحشوة والخيوط، أو حتى الورق يبدو بريئاً في البداية ويصلح كهدية جميلة محببة، ولكن، تدريجاً تتبدل مهمته ويصبح رمزاً شريراً بشكل غير متوقع، إنه الشيء الذي تستأمنه الأمهات على أبنائها فإذا كان حتى غير وسيم الشكل فهو في النهاية جماد، لا يمتلك ما يعينه على أن يسبب الأذى، ولكن كان للحكايات رأي آخر، فالدمى هي الأكثر فتكاً وتخويفاً في قائمة أشهر أفلام الرعب عالمياً، وتمتلك قدرات خارقة وحيلاً صادمة غيرت تماماً رمزيتها كأداة للهو ومصدر للبهجة، فكيف نجحت السينما العالمية في أن تجعل الجميع يشعرون بالقلق حينما يظهر طيف “العروسة اللعبة” في الكادر بأي عمل فني لتغير مسار هذا الجماد إلى الأبد؟

الذكاء الاصطناعي يدخل عالم الدمى المخيفة

وينشغل الجمهور حالياً بمتابعة فصل جديد من سلسلة الدمى المرعبة من خلال فيلم M3GAN “ميغان” محدود الميزانية، الذي حقق نجاحاً كبيراً، وتدور قصته حول دمية تصنع بواسطة الذكاء الاصطناعي واستخدامها في رعاية طفلة صغيرة، ولكن الأمور تنقلب وتتحول الحياة إلى جحيم بسبب تلك المهمة، والعمل حصد حوالى 60 مليون دولار إيرادات حول العالم خلال أسبوع واحد فقط، أي أكثر من خمسة أضعاف ميزانيته التي تجاوزت 10 ملايين دولار أميركي بقليل، لتنضم “ميغان” إلى قائمة طويلة من العرائس المخيفة التي أسهمت في تبديل الصورة الذهنية لهذا النوع من الألعاب إلى النقيض بل، وما هو أسوأ من النقيض، إذ يبدو سقف الشر والخيال المظلم في تلك الأعمال مرتفعاً بشدة.

تراث حكايات الدمى يلهم أفلام الرعب

وأبرز الدمى الشرسة بالطبع هي “تشاكي” إذ بدأت عروض أفلام السلسة منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ولا تزال تقدم حتى الآن، وقد وصلت إلى ثمانية أجزاء وهي دمية ملعونة بملامح مخيفة للغاية وسميت بالدمية القاتلة، وتدور القصة الخيالية الأساسية حول قاتل مأجور يدعى تشارلز لي راي يلقى حتفه على يد الشرطة، في محل ألعاب فتنتقل روحه لإحدى الدمى التي تحاول بواسطة السحر التجسد مجدداً في هيئة إنسان لتحقيق الانتقام لتشارلز راي، وفي سبيل ذلك، تثير الرعب في نفوس كل من يواجهها، وترتكب جرائم قتل وتدمير وتنهي مستقبل الأفراد الذين يحاولون مطاردتها بلا جدوى فكلما اعتقدوا أنها تفككت أو قضي عليها تعود مجدداً.

لكن هذا الخيال الواسع في ما يتعلق بقصص الدمى الشريرة غذته في البداية حكايات استندت إلى بعض الوقائع التي يتم تناقلها من جيل لجيل، وبات التثبت من دقتها أمراً صعباً إلى حد كبير، ولم يعد معروفاً هل هي مجرد أسطورة أم حقائق أضافت لها السنوات تفاصيل لا تمت لما جرى على أرض الواقع بصلة، هذا في الأقل ما تخبرنا به قصة “روبرت الدمية” الحكاية التي شكلت هذا العالم الذي لا ينتهى من أفلام الدمى المرعبة، إذ تعود لمطلع القرن العشرين في جزيرة بولاية فلوريدا التي تقع جنوب شرقي الولايات المتحدة، وتدور حول الطفل المدلل روبرت يوجيني أوتو الذي كان يعيش مع أبويه الثريين في بيت فاره، وكان متعلقاً بشدة بمربيته العجوز، ولكن على ما يبدو أن السيدة أغضبت الأم التي قررت طردها وأصرت على موقفها على رغم إلحاح الصغير عليها بأن تبقيها، فمكثت المربية، أسابيع عدة في غرفتها وصنعت دمية أسمتها باسم روبرت وأهدتها للطفل قبل أن تترك المنزل، ولكن ما كان يتردد هو أن المربية عليمة بفنون السحر الأسود وإنزال اللعنات الشريرة والسوداء على من تكرههم، ومن هنا بدأ يتم تداول مواقف عن اللعنة التي حلت على ساكني البيت بسبب الدمية التي كانت ترتدي ثياب البحارة الأميركيين في ذلك الوقت، وكان الطفل الصغير متعلقاً بها بشدة، ويتحدث معها ولا يتركها أبداً، وعلى رغم أنها كادت تودي بحياته وتجره لأفعال خطيرة، لكن العائلة كانت لديها شكوك في البداية بأن تكون تلك الدمية على صلة بكل المصائب التي تحدث، ويقال إن الجيران شاهدوها تسير ليلاً وتدمر الأثاث، فقررت الأسرة حبسها في غرفة مظلمة، وبعد مرور عشرات السنوات بيع المنزل لعائلة أخرى وفتحت الغرفة الملعونة لتعلق ابنتهم بالدمية، ويتكرر السيناريو نفسه وينتهي المطاف بالدمية في غرفة زجاجية مغلقة في متحف Fort East Martello Museum الذي يقع في محيط المنطقة نفسها التي جرت فيها الأحداث، مع تحذيرات بعدم تصويرها إلا في أضيق الحدود، نظراً للاعتقاد بأنها قادرة على إلحاق الضرر بمن يغضبها، وبعيداً من الخرافات والأساطير، فقد ألهمت تلك الحكاية عشرات من صناع أفلام الدمى المرعبة التي باتت علامة فارقة في سلاسل أعمال الرعب الشهيرة.

عرائس محشوة لا تعرف اللهو

ومن أبرزها بالطبع “أنابيل” Annabelle التي تستند قصتها لأقاويل يتم تداولها منذ عشرات السنوات حول دمية مرعبة تسكن في متحف “وارينز” بولاية كونيتيكت بالولايات المتحدة، وتزعم الحكاية أن إحدى الأمهات قامت بإهداء ابنتها دمية نادرة لتكتشف الابنة أن تلك اللعبة تقوم بأشياء غريبة فلجأت إلى وسطاء روحانيين اعتبروها دمية مسكونة ليحتفظ بها في صندوق زجاجي بالمتحف، وقد ظهرت “أنابيل” للمرة الأولى بشكل عابر في فيلم The Conjuring عام 2014، ولكن سرعان ما حققت شهرة وأصبحت نجمة أفلام مستقلة وبينها فيلم يحمل اسمها عام 2014، حين يقوم زوج بإهداء الدمية لزوجته، ولكنها تتحول إلى كائن شرير يحاول قتل طفلتهما، ثم ظهرت في أفلام عدة بينها Annabelle: Creation .

ويعد المخرج  ستيوارت جوردون من أشهر من قدموا أفلام الدمى المرعبة على شاشة السينما من خلال فيلم Dolls “الدمى” 1987، الذي يحكي عن مجموعة دمى تسكن قصراً فخماً، هي كانت في الأصل كائنات بشرية اقترفت أخطاء فتعاقب بأن تسكن أرواحها في أجساد تلك الدمى للتكفير عن الخطايا، أما فيلم Poltergeist فيعد من أوائل المحاولات الشهيرة لتقديم أفلام الدمى المرعبة، حين عرض عام 1982، وتستند قصته الرئيسة إلى دمية على شكل مهرج مهمتها خطف الأطفال من ذويهم، ومن أكثر تلك الأعمال تخويفاً عام The Boy 2016  للمخرج ويليام برنت، الذي تدور قصته حول جليسة أطفال تجد وظيفة للعمل لدى عائلة لديها ابن عمره ثماني سنوات، لتكتشف الجليسة أن الابن ما هو إلا عروساً خزفية تسكنها روح الصبي الذي رحل قبل 20 عاماً، وبسبب عدم اتباع المربية التعليمات تقوم الدمية بتصرفات شريرة تصل إلى القتل، وتدور أفلام Puppet Master حول مجموعة من المتخصصين في علم النفس الذين يجدون أنفسهم مضطرين لمواجهة دمية قاتلة تركها لهم صديقهم قبل انتحاره لمحاولة فك لغزها، كما يعد فيلم Dead Silence الذي عرض عام 2007 للمخرج جيمس وان من أكثر أعمال الدمى غرابة وتدور قصته حول دمية تبدو كأنها تتحدث من بطنها، تهدى لزوجين ولكن بعد وقت قصير يعثر على الزوجة مقتولة وممثل بجثتها ويتهم الزوج، ولكن بالطبع تكون الدمية  هي الفاعلة.

ومن المعروف أن السينما العالمية، كل عام، لديها حزمة من أفلام الرعب التي ينطلق عرضها عادة في موسم “الهالووين” قبيل استقبال فصل الشتاء، ويكون للدمى عادة نصيب من تلك البطولات، فتلك الألعاب الصغيرة دوماً ما تكون هي الأكثر قدرة على بث الرعب في النفوس، لما للحكايات التراثية التي تدور حولها من أثر عميق يجعل ما تفعله قابلاً للتصديق لدى البعض على رغم أسطوريته.

Comments are closed.