باريس(عربي times)
وأصبح تناول العشاء في مطعم “لا روتوند” في حي مونبارناس حيث يحلو له أن يرتاح بعض الشيء، نادرا جدا.
ويقول أحد المقربين منه: “الوقت غير مناسب”، خصوصا أن واجهة المطعم تعرضت لبداية حريق على هامش تظاهرات ضد إصلاح نظام التقاعد الذي نصّ خصوصا على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، الذي أقرّه ماكرون دون تصويت في الجمعية الوطنية.
فالخروج من قصر الإليزيه دونه بعض المجازفة. وترافق خروجه الإثنين مع جدل عندما توقف خلال عودته سيرا، لينشد أغنية تقليدية من منطقة بيرينيه في جنوب غرب البلاد مع شباب مجهولين تبين لاحقا بعد نشر لقطات مصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أنهم ينتمون إلى منظمة سيئة السمعة.
وقلّل رئيس البلاد من أهمية ما حصل، وقال: “لم أعرف على الفور من هم”، مشيرا إلى أنه كان ليُتهم بأنه “متعال” لو واصل طريقه من دون أن يتوقف.
وتصعب إقامة توازن بين الانعزال أو الاحتكاك بالناس في حين يواجه معارضة وانتقادات تصل إلى حد الكره أحيانا، بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية من خمس سنوات.
غير متوار
وتؤكد زوجته بريجيت ماكرون أن الرئيس “غير معزول بتاتا”، لكنها تقرّ بأن “الإليزيه مكان مختلف نوعا ما”.
ويحاول الرئيس وأوساطه تبديد الانطباع بأن ماكرون “متوار عن الأنظار”، خصوصا أنه تعرّض لانتقادات بعضها من أوساط حكومية، بأنه تأخّر “في التواصل” مع المواطنين، مع أن التواصل هو “ميزته الأساسية”.
وبعدما أمضى الجزء الأكبر من وقته في “القصر” منذ مطلع السنة الحالية، عاد ليقترب من الفرنسيين حتى لو كان ذلك يكلفه التعرّض لصيحات استهجان كما حصل الأربعاء في منطقة ألزاس في شرق البلاد.
ويقول عدد من أصدقاء الرئيس إن أوساط إيمانويل ماكرون تحميه كثيرا.
ويسود انطباع عام في صفوف أنصار الرئيس أنه لم يبق العديد من الأشخاص في أوساطه قادرين على القول له إنه يخطئ، باستثناء بريجيت ماكرون والرئيس السابق للجمعية الوطنية ريشار فيران الذي لا يزال إلى جانبه منذ خسارته في الانتخابات التشريعية 2022.
وعلى جري العادة عندما تكون الأجواء السياسية ملبّدة، يتحدّث وزراء ومستشارون طالبين عدم الكشف عن هوياتهم، مطولا عن كل الأمور التي لا تسير على ما يرام في قصر الإليزيه.
مجرد لعبة
من هي الأطراف التي تسدي النصح إلى إيمانويل ماكرون؟ يؤكد أحدهم أنه “لا يتلقى نصائح”، فيما يقول آخر متنهدا “لا أحد”، وكما العادة عندما تكون الأمور متأزمة، يتعرّض الأشخاص الذين يتولّون التواصل للانتقادات.
وفي ظلّ الأزمة السياسية الراهنة، عاد ماكرون ليستعين بخدمات مَن عمِل معهم خلال ولايته الرئاسية الأولى ومن بينهم ريشار فران فضلا عن مستشار التواصل السابق كليمان ليوناردوزي الذي عاد ليعمل مع شركة “بوبليسيس” أو المستشار الخاص السابق فيليب غرانجون.
وقال أحد كوادر المعسكر الرئاسي: “عندما تستنجد بمستشارين سابقين فهذا يعني أن الوضع سيئ”، وقال آخر بأسف إن إيمانويل ماكرون “يحكم بمفرده”.
في الظروف الحرجة، يجمع ماكرون كبار شخصيات حكومته ومؤيديه، على غرار مآدب العشاء المقامة الخريف الماضي لاتخاذ القرارات بشأن توقيت إصلاح نظام التقاعد وطريقة القيام بذلك. تضاف إلى ذلك سلسلة الاجتماعات المتواصلة التي عقدت منتصف آذار/مارس عندما اضطر إلى استخدام الآلية الدستورية 49,3 لتمرير مشروع الإصلاح من دون التصويت عليه في الجمعية الوطنية.
وشهدت باحة الشرف المهيبة أمام مكاتب الرئيس وصول العديد من الشخصيات. وكان الرئيس يستمع في جلسات مغلقة إلى مواقف هؤلاء التي كانت تجد طريقها سريعا إلى وسائل الإعلام، من دون أن يكون لها أي أثر بالضرورة.
واستمرّ ماكرون بتوجيه رسائل نصّية قصيرة إلى حلفائه والأصدقاء، طارحا السؤال الاعتيادي: “كيف ترى الأمور؟”، لكن أحد مستشاري السلطة التنفيذية يقول بأسف: “أصبح الأمر مجرد لعبة، وليس تبادلا سياسيا”.
لكن أوساط أحد هؤلاء المشاركين تروي أنه خلال الاجتماع الأخير الذي ضمّ كبار المسؤولين قبيل خطاب الإثنين، حصل “نقاش سياسي فعلي، غذى فعلا” الخطاب الرئاسي، مؤكدة: “هذا أمر مهم للغاية ويجب أن يقوم به أكثر”.
Comments are closed.