الخرطوم (عربي times)
ألقت الحرب في السودان بظلالها على الوضع الاقتصادي والمعيشي على المستويات كافة، خصوصاً مع الإغلاق الشامل للأسواق والمصانع والمطاحن وتعطل الموانئ براً وجواً وبحراً، مما صعب مهمة المواطنين في توفير حاجاتهم الغذائية وجعل أوضاعهم في غاية السوء والتردي.
ونتيجة لإغلاق الجسور الرابطة بين الخرطوم ومدن العاصمة الأخرى على مدار الأيام السابقة، بدت الأنشطة التجارية متوقفة عن العمل وتضرر أصحاب الأعمال الهامشية والباعة المتجولون نتيجة تقييد الحركة جراء القصف المتواصل، واضطر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى وقف مؤقت لعمليات توزيع المساعدات الغذائية في بلد يعاني فيه ثلث السكان بالفعل من أجل الحصول على ما يكفي من الغذاء.
ارتفاع الأسعار
وشهدت أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية في العاصمة الخرطوم ارتفاعاً كبيراً ومفاجئاً، ما أثار سخطاً كبيراً لدى كثير من الناس الذين اعتبروا الزيادة غير مبررة ولا منطقية، في حين عزاها البعض إلى استغلال التجار لظروف المواطنين الصعبة وجشعهم.
واتجهت الأسعار نحو الأعلى بنسبة تراوحت بين 300 إلى 400 في المئة، ومن بين السلع الضرورية التي ارتفعت أسعارها تأتي اللحوم، وتخطى سعر كيلو العجالي (لحم العجل) ثمانية آلاف جنيه سوداني، والضأن 10 آلاف، كما طاول التضخم البيض وزيت الطعام وصابون الغسيل ومنتجات الألبان، والأجبان والخضروات والفاكهة.
وقال المواطن محمود سعيد الفاضل، إن “السوق المركزية الذي تعتمد عليها أسواق الخرطوم أغلقت تماماً وتحولت متاجر عدة إلى ثكنات عسكرية كما توقفت إمدادات السلع”. وأضاف أن “التجار استغلوا الظروف الحالية لرفع الأسعار لأعلى معدل بجانب احتكار البضائع وتخزينها لإحداث ندرة في الأسواق ومن ثم بيعها بمبالغ خيالية”، لافتاً إلى أن “استمرار انقطاع التيار الكهربائي سيؤثر بدوره في المخزون من السلع التي تعرض بعضها للتلف تلقائياً”.
وتابع “حظ السودانيين العاثر لم يقف عند حد اشتداد الفقر والبطالة وتوقف المنشآت الصناعية والخدمية من العمل، بل تعداه إلى أزمة اقتصادية ومعيشية بسبب الصراع العسكري الدائر حالياً”، مشيراً إلى أن “معظم السلع الضرورية نفدت من الأسواق تماماً وهو وضع خطير للغاية”. ويخشى الفاضل من تأثير إطلاق سراح السجناء على الأمن الغذائي لأن أعدادهم فاقت 12 ألف نزيل، علاوةً على احتمال تعرض المحال التجارية للنهب.
شلل كامل
وتسببت الحرب بشلل كامل للحركة التجارية وتوقف المخابز، ما ينذر بندرة في الغذاء بخاصة بعد توقف حركة الواردات وتعطل الإنتاج في المصانع.
وأفاد صديق حامد، وهو أحد التجار بسوق منطقة شرق النيل، إن “ارتفاع أسعار السلع الذي فاق نسبة 300 في المئة مرتبط بإغلاق السوق المركزية وسوق أم درمان اللتين تعتمد عليهما المحال التجارية في الخرطوم بجانب احتجاز البضائع وصعوبة نقلها بسبب الحصار القسري للناس”، مضيفاً أن “تجدد الاشتباكات المسلحة أسهم في إغلاق 80 في المئة من الأسواق، الأمر الذي ينذر بأزمة معيشية قاسية على المواطنين”.
أحد المواطنين بمنطقة جبرة في الخرطوم، ويدعى أبوبكر دفع الله، شكا من أن “توقف التطبيقات البنكية أدى إلى مشكلة توفر السيولة النقدية ما يضفي على الوضع المتأزم تعقيدات جديدة”. وأضاف أن “استمرار الحرب عطل دورة الحياة الاقتصادية بشكل كامل وهو ما يمهد لمجاعة تهدد الآلاف في السودان”.
أما الباحث الاقتصادي منصور فضل الله فقال إن “طول أمد الصراع العسكري الراهن سبب شللاً اقتصادياً وأزمة غذائية انعكست مباشرةً على المواطنين”.
وأوضح أن “لا بوادر في الأفق تشير إلى حلول للأزمة السودانية حالياً، وبات واضحاً أن الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع لن تتوقف وهذا يعني توقف الحركة التجارية بين العاصمة وبقية الولايات ما يؤدي إلى أزمات معيشية معقدة”.
نفاد السلع
في موازاة ذلك، خلت الأسواق من البضائع والخضروات واللحوم ونفد كثير من السلع الضرورية مثل الدقيق والزيوت والأرز والعدس، وأدى استهداف “سوق المويلح” غرب مدينة أم درمان التي تغذي العاصمة بالماشية إلى ارتفاع أسعار اللحوم بشكل جنوني، كما نفق عدد كبير من الماشية بعد تبادل إطلاق النار في سوقها الرئيس، وقال بخيت النور الذي يعمل في سوق المويلح، إن “الاشتباكات بين الطرفين المتحاربين أدت إلى تدمير سوق الماشية بشكل كامل”. وبرر النور الزيادات الكبيرة في أسعار اللحوم بشح وارد المواشي من مناطق الإنتاج بالولايات المختلفة في ظل انعدام الأمن بجانب الزيادة الكبيرة في كُلف الترحيل والأعلاف.
ودفع واقع الأسعار الجديد وتوقف وإحجام المواطنين عن الشراء معظم التجار إلى تقليل حجم المعروض من اللحوم، بسبب الكساد والركود الذي شهدته حركة البيع، فيما زاد الإقبال وانتعشت حركة الشراء في أسواق بدائل تعويض البروتين الحيواني، مما أدى إلى زيادة الإقبال على البقوليات مثل الفاصوليا والعدس الأمر الذي جعلها تنفد تماماً من الأسواق.
واستنكر المواطن خلف الله سعد، ارتفاع أسعار اللحوم بهذه الطريقة المبالغ فيها، بصورة جعلت المواطنين يشعرون بالحسرة والأسى، كونها ستؤدي إلى حرمان قطاع عريض من المواطنين من تناولها.
تدبير اقتصادي
وأجبر الضغط المعيشي الناس في الخرطوم على البحث عن بدائل والعودة إلى الوجبات التقليدية المحلية، إذ دفعت الندرة والغلاء المواطنين إلى الاعتماد على وجبات شعبية مثل “القراصة” و”العصيدة”.
وذكرت خديجة قمر، وهي ربة منزل بمنطقة الثورات في أم درمان، أن “أسراً عدة اتجهت إلى بدائل متوفرة ومعقولة السعر خصوصاً للرغيف واللحوم، وحلت “الكسرة” محل الخبز، كما تعد “المديدة” وجبة مهمة، وكل هذه الأصناف تصنع منزلياً”. وزادت أن “الضائقة المعيشية التي سببها شح الدقيق في المخابز جعلت المواطن أمام خياري الجوع أو الاستنجاد بتلك الوجبات”.
وأوضحت أن “الأزمة الاقتصادية التي يمر بها السودان أثرت في كل الطبقات الاجتماعية، وتحديداً الفقيرة والمتوسطة، ما دفعهما إلى ابتكار نوع من التدبير والاقتصاد المنزليين”.
Comments are closed.