هل يحافظ الدولار على هيمنته العالمية؟.. التاريخ يجيب

لندن (عربي times)

نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالا بالشراكة مع منظمة “بروجيكت سينديكيت” للكاتب باري آيشينغرين، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا وأحد المساهمين في الكتاب واسع الانتشار “كيف يعمل نظام العملات الشامل”، سلط فيه الكاتب الضوء على مستقبل الدولار الأمريكي كعملة عالمية، ومدى قدرة التغيرات الجيوسياسية على إضعافه أو إزاحته عن عرشه الدولي.

وقال آيشينغرين في مقاله إنه “عندما تم إخراج روسيا من النظام المصرفي الأميركي وتعليق عضويتها في جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك سويفت، وتحول روسيا بالتالي بعيداً عن الدولار الذي بدأ بعد ضمها غير القانوني لشبه جزيرة القرم في 2014، كان مدفوعاً بالخوف من العقوبات الأميركية، فيما حذر عدد من المراقبين من أن تحذو دول أخرى حذو روسيا؛ بسبب تسليح الدولار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية”.

وأضاف أن “الصين أرادت دعم هذا الخروج من النظام المصرفي الأمريكي من خلال تشجيع دول العالم على إجراء تعاملاتها المالية باليوان”، مشيرا إلى أن “دعوة الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا دول البريكس إلى إنشاء عملة مشتركة كبديل للدولار تندرج ضمن هذه المساعي”.

ولفت إلى أن “حملة الصين لتدويل عملتها المحلية اليوان واعتمادها في التعاملات العالمية لا تعكس التوترات مع الولايات المتحدة فحسب، بل تعكس أيضاً الرغبة في استعراض القوة على المستوى الدولي، في ظل توجه الصين نحو الاكتفاء الذاتي الاقتصادي والمالي في جوانب أخرى من سياستها الخارجية”، منوها إلى أنه “من غير المرجح أن ينجح تفوق الدولار المنفرد في عالم يهيمن عليه اقتصادان كبيران بينهما خلافات ويستفيد أحدهما فقط من الامتيازات الباهظة التي يتمتع بها الدولار”.

وأوضح أن “حملة العملة الموحدة التي يقودها الرئيس البرازيلي تعكس وجهة نظر مفادها بأن تصاعد قوة ونفوذ مجموعة بريكس بات أمرًا لا يمكن إنكاره، وبأن حصول المجموعة على مقعد متقدم على طاولة النقد العالمي أمر مستحق سواء وافقت الولايات المتحدة على ذلك أم لم توافق”.

وتساءل الكاتب عن “مدى تأثير قدرة هذه التطورات الجيوسياسية العالمية على إنهاء هيمنة الدولار”، لافتا إلى أن “التاريخ الحديث يدل على عدم احتمالية حدوث ذلك، رغم أن القرن الماضي يحمل قصصا عن فقدان العملات الدولية لمكانتها اعتمادا على تصرفات الدولة التي تصدر هذه العملة، وليس فقط على الظروف الجيوسياسية الخارجة عن سيطرتها”.

وأفاد بأن “القرن العشرين شهد سيطرة الجنيه الإسترليني كعملة عالمية رائدة في القرن السابق، لكن بريطانيا خرجت من الحرب العالمية الأولى ضعيفة اقتصاديا وماليا، وفقدت القوى البشرية العاملة والمدربة وباعت سنداتها لتمويل المجهود الحربي، وواجهت منافسة شديدة من الاقتصادات الأخرى، والأهم من ذلك أن بريطانيا تكبدت ديناً عاماً بلغ 130% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل ستة أضعاف مستويات ما قبل الحرب”.

وتابع أنه “على الرغم من ظهور الدولار الأمريكي كمنافس للجنيه الإسترليني بحلول أوائل عشرينيات القرن العشرين، إلا أن عملة المملكة المتحدة حافظت على مكانتها الدولية بنجاح”.

وتحدث كاتب المقال عن قرارات صعبة تم اتخاذها من قبل المملكة المتحدة في ذلك الحين للعودة بالعملة المحلية إلى مستويات ما قبل الحرب، مما سمح باستعادة أسعار الصرف السابقة مقابل الذهب والدولار، لكن هذه السياسات جاءت على حساب القدرة التنافسية البريطانية، وبالتالي على الإنتاج وتشغيل العمالة. وفي الحرب العالمية الثانية خرجت المملكة المتحدة مثقلة بالديون وتم تخفيض قيمة العملة في 1949، في محاولة للتوفيق بين تحفيز الطلب والعمالة الكاملة مع التوازن الخارجي”.

وأردف أنه “تم منع التصفية غير المنظمة لأرصدة الجنيه الإسترليني من قبل البنوك المركزية والحكومات الأخرى من خلال ضوابط الصرف والتهديدات التجارية، وكانت مثل هذه التدابير تتعارض مع وضع الجنيه الإسترليني كعملة دولية، فيما أشار باحثون إلى أن التحول بعيداً عن الجنيه الإسترليني كان بالفعل على قدم وساق في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقد أدى هذا إلى تقليص مكانة الجنيه الإسترليني العالمية مرة واحدة وإلى الأبد”.

وأنهى الكاتب مقاله بالقول إن “احتفاظ الدولار بدوره العالمي لن يعتمد ببساطة على علاقات الولايات المتحدة مع روسيا أو الصين أو دول البريكس، بل سوف يتوقف الأمر بدلاً من ذلك على ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على السيطرة على ديونها المتصاعدة، وتتجنب مواجهة أخرى غير مثمرة بشأن سقف الديون، وتنظم عملها الاقتصادي والسياسي بشكل أكثر عموما”.

نقلاً عن/ صحيفة “الغارديان” البريطانية

Comments are closed.