واشنطن (عربي times)
تشير التفاعلات المتسارعة إلى أن المواجهة الأميركية – الصينية تتعدى حدود العناوين المطروحة مثل حظر التعامل مع تيك توك ومحاولة فرض شروط أميركية لإبرام اتفاق تجاري بين البلدين.
ومن الواضح أن صفقة بيع هذه المنصة خلفها حرب باردة ازدادت اتساعا بعد الهجمة على هواوي قبل سنوات، لمنع الصين من الاقتراب من الخطوط الحمر للهيمنة التكنولوجية، التي ظهرت براعمها في الأشهر الأخيرة.
ولم يهدأ الجدل حول تيك توك، بل اتخذ منحنيات أكثر تعقيدًا كلما اقترب موعد الحسم في واشنطن، فبعد سنوات من التوتر بين الولايات المتحدة والتطبيق الصيني الشهير، فرضت الحكومة الأميركية واقعا جديدا.
وفي النهاية برزت مسألة “تيك توك نسخة أميركية” كخيار سياسي – تقني يتجاوز مجرد صراع حول تطبيق ترفيهي، ليكشف عن صراع أعمق بين السيادة الرقمية وحرية الإنترنت والتنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين.
ووقّع الرئيس دونالد ترامب الخميس أمرا تنفيذيا يحدد أطر اتفاق مقترح لنسخة أميركية من تيك توك يقضي بخفض حصة المالكين الصينيين إلى 20 في المئة ووضع الإشراف على التطبيق في أيدي مقربين منه.
وصرح خلال مراسم التوقيع في البيت الأبيض بأن النسخة الأميركية سيديرها مستثمرون “متمرسون جدا”، من بينهم لاري إليسون مؤسس شركة أوراكل العملاقة في مجال الحوسبة السحابية والمستثمر في مجال التكنولوجيا مايكل ديل وقطب الإعلام روبيرت مردوك.
النسخة الأميركية سيديرها مستثمرون بينهم لاري إليسون مؤسس أوراكل والمستثمر مايكل ديل وقطب الإعلام روبيرت مردوك
وقال في الأمر التنفيذي الذي يطال نحو 170 مليون مستخدم أميركي لتطبيق تيك توك إن “خطة البيع المقترحة ستسمح للملايين من الأميركيين الذين يستخدمونه يوميا بمواصلة ذلك مع حماية الأمن القومي”.
وقال ترامب لصحافيين “لو بإمكاني تحقيق شعار ماغا (لنجعل أميركا عظيمة مجددا) بنسبة 100 في المئة لفعلت، لكن للأسف لن تسير الأمور على هذا النحو. لا… ستُعامل كل مجموعة وكل فلسفة وكل سياسة بإنصاف تام”.
ويُعتقد أيضا أن شركة الاستثمار سيلفر ليك مانجمنت وشركة أندريسن هورويتز العملاقة في سيليكون فالي جزء من الاتفاق.
وأكد الرئيس أن النسخة الأميركية من تيك توك ستتضمن نموذجا محليا لخوارزمية التطبيق التي غالبا ما تُوصف بأنها “الخلطة السرية” لتيك توك التي ساعدته على النمو ليصبح إحدى أكثر المنصات شعبية في العالم في غضون سنوات قليلة.
وقال مسؤول في البيت الأبيض الاثنين الماضي إن الخوارزمية ستخضع “لمراقبة متواصلة لضمان عدم تأثرها بشكل غير مشروع”.
وأتى التصور الجديد ردا على قانون صدر في عهد سلف ترامب، جو بايدن، أجبر شركة بايت دانس المالكة لتيك توك على بيع عملياتها في الولايات المتحدة تحت طائلة حظره في أكبر أسواقه.
وحذر صانعو السياسات الأميركيون من بينهم ترامب في ولايته الأولى، من أن الصين قد تستخدم تيك توك لاستغلال بيانات من الأميركيين أو ممارسة النفوذ من خلال خوارزميته المتطورة.
وأرجأ ترامب مرارا تنفيذ الصفقة من خلال أوامر تنفيذية متتالية، كان آخرها تمديد الموعد النهائي حتى السادس عشر من ديسمبر 2025. ومدد الأمر التنفيذي الخميس هذا الموعد ومنح مهلة 120 يوما لإتمام الصفقة بحلول الثالث والعشرين من يناير المقبل.
وقال نائب الرئيس جاي دي فانس، الذي قاد الفريق لإيجاد حل لتيك توك، إن “قيمة حصة الكيان الأميركي ستبلغ حوالي 14 مليار دولار. لكنه أضاف أن تحديد سعره يعود في النهاية إلى المستثمرين”.
ولم يوضح البيت الأبيض كيف توصل إلى تقييم 14 مليار دولار. وتقدر بايت دانس الشركة الصينية الأم لتيك توك قيمتها بنحو 330 مليار دولار.
ونقلت مجلة تسايشين الصينية المالية عن مصادر مطلعة على الصفقة قولها إن بايت دانس تعتزم إنشاء كيان أميركي لتيك توك سيحصل على بعض الإيرادات من مشروع تيك توك المشترك الجديد.
وعندما سُئل عما إذا كانت السلطات الصينية قد وافقت على الاتفاق، قال ترامب إن “الرئيس شي جينبينغ أعطى موافقته في مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي”.
وقال “أحترم الرئيس شي كثيرا، وأُقدّر بشدة موافقته على الاتفاقية، لأننا كنا بحاجة إلى دعم الصين لإتمامها على النحو الصحيح”.
وبعد المكالمة، قالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية (سي.سي.تي.في) إن شي أكد لنظيره الأميركي أن الصين تدعم المفاوضات القائمة على السوق والتي تتوافق مع القوانين الصينية.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غو جياكون ذلك الموقف أثناء إيجاز صحافي روتيني الجمعة. وقال “نأمل أن توفر الولايات المتحدة بيئة تجارية منفتحة وعادلة وغير تمييزية للشركات الصينية التي تستثمر في الولايات المتحدة”.
ومن وجهة نظر واشنطن، يدور التخوف الأكبر حول البيانات، حيث ترى أن منصة تملكها بايت دانس وتشغّلها خوارزميات غير خاضعة للرقابة الأميركية، يمكن أن تُستخدم أداة للتجسس أو التلاعب السياسي أو حتى لتشكيل الرأي العام داخل الولايات المتحدة.
لكن تحويل تيك توك إلى نسخة أميركية ليس مجرد عملية بيع قانونية أو نقل إداري، بل هو مشروع تحوّل جذري له أبعاده الاقتصادية والتقنية والسياسية.
ومن الناحية الاقتصادية، تعني النسخة الأميركية أن التطبيق سيخضع بالكامل للقوانين والممارسات التجارية في الولايات المتحدة، وقد تؤول ملكيته إلى واحدة من عمالقة التكنولوجيا مثل مايكروسوفت أو أوركل.
ومثل هذا التحول سيفرز توازنا جديدا في سوق المحتوى الرقمي، ويمنح الشركات الأميركية نفوذا إضافيا في قطاع التواصل الاجتماعي، الذي كانت الصين قد اقتحمت جزءا منه عبر تيك توك.
أما تقنيا، فستتم مراجعة خوارزميات تيك توك ومحركات توصيته، وهي ميزة فنية أثبتت تفوقا واضحا في جذب المستخدمين.
ولكن النسخة الأميركية من التطبيق قد تواجه إما ضرورة إعادة بناء هذه الخوارزميات من الصفر إذا اعتُبرت ملكية فكرية صينية محمية أو محاولة الاحتفاظ بها مع ضمان “عدم التلاعب”، ما يطرح تحديا هندسيا معقدا أمام أي مالك جديد.
وسياسيا، يمثل هذا التحول نموذجا جديدا من السيادة الرقمية، حيث لا تتردد الدول في تفكيك المنصات العابرة للحدود، وإعادة تركيبها بشكل يتماشى مع سياساتها الوطنية.
وفي هذا السياق، تصبح تيك توك الأميركية نسخة منقّحة ومراقبة من المنصة الأصلية، مما يفقدها شيئا من عالميتها لصالح الاستقلال الرقمي الأميركي.
Comments are closed.