باريس (عربي times ) –
تتجه الأنظار اليوم الى باريس لاكتشاف ما إذا كان “حزن” الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إسقاط الطائرة الروسية، واستعداد أنقرة لتسليم موسكو جثمان الطيار الروسي، يكسران الجليد المتراكم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وقّع مرسوماً فرض بموجبه مجموعة واسعة من العقوبات الاقتصادية على تركيا.
وفي مقابل التوتر المتصاعد مع روسيا، تستفيد أنقرة من مخاوف الاتحاد الأوروبي من قضية اللاجئين، حيث ستحصل تركيا على حوالى 3.2 مليارات دولار وعلاقات أوثق مع الاتحاد مقابل مساعدة أنقرة في وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
وغداة إعلان موسكو فرض التأشيرات على دخول الاتراك الى روسيا، قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، لدى وصوله إلى بروكسل للمشاركة في قمة الاتحاد الأوروبي وتركيا، “اليوم هو يوم تاريخي في عملية انضمامنا للاتحاد الأوروبي”، في إشارة إلى وعد أوروبي بدخول الأتراك من دون الحاجة لتأشيرات دخول إذا وفوا بالتزاماتهم بشأن تدفق المهاجرين خلال العام المقبل.
وأكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أنه يجب على الاتحاد الأوروبي مراقبة تعهدات تركيا للمساعدة بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية ومحاربة الإرهاب والتعامل مع أزمة اللاجئين، موضحاً انه سيتم تقديم الأموال إلى تركيا بناءً على تطبيق تعهداتها. ويطالب الأوروبيون السلطات التركية بتشديد الأمن على حدودها، واستعادة المهاجرين الذين يرفضهم الاتحاد.
وكانت صحيفة “صباح” التركية، المؤيدة للحكومة، قد ذكرت امس الاول أن تركيا عززت الإجراءات الأمنية على طول حدودها مع سوريا، ونشرت دبابات إضافية ومركبات جند مدرعة وغيرها من الأسلحة.
وبعد يوم من محاولة أردوغان تهدئة الوضع بتعبيره عن حزنه لإسقاط الطائرة وتمنياته لو أن هذا الأمر لم يحصل أبداً، أعلن داود اوغلو، قبيل سفره الى بروكسل، أن جثة الطيار الروسي نقلت إلى أنقرة وستسلم إلى روسيا.
وقال داود اوغلو “الطيار الذي قتل خلال انتهاك المجال الجوي سُلّم إلينا على الحدود الليلة الماضية”، مضيفاً أن ديبلوماسياً روسياً سيتوجه برفقة ممثل عن الجيش التركي إلى محافظة هاتاي (اسكندرون) على الحدود السورية لتسلم الجثة، التي نقلت إلى أنقرة. وأضاف “قام كهنة أرثوذكس بالصلاة على الجثمان في هاتاي بما يتوافق مع تقاليدهم الدينية”. ولم يقدم داود اوغلو تفاصيل عن كيفية نقل الجثة من سوريا، ومع أي المجموعات المسلحة كانت.
وكرر داود اوغلو دعوته إلى التهدئة مع موسكو. وقال “العلاقات بين تركيا وروسيا ترتكز على أساس مصالح مشتركة. وأدعو بالتالي السلطات الروسية إلى أخذ هذا الأمر بالاعتبار والعمل في اتجاه التهدئة”.
واعتبر داود أوغلو أن تكرار حوادث مشابهة لإسقاط الطائرة الروسية أمر محتمل في ظل وجود تحالفين لهما أهداف مختلفة في سوريا، ما لم يتم التنسيق وتبادل المعلومات بينهما، مكرراً انتقاد التصريحات الروسية التي تحمّل بلاده مسؤولية إسقاط الطائرة. وقال “إذا كان لا بد من مسؤول عن الحادثة، فعلى الطرف الذي انتهك المجال الجوي التركي مراراً، أن يراجع نفسه أولًا». وأضاف «قواتنا المسلحة نفذت التعليمات التي وصلتها، في إطار موقف مشروع وقانوني، إلا أن تلك التعليمات ليست موجهة ضد دولة ما، وعلى أية حال لا أحد يرغب بأن يكون مجالنا الجوي أشبه بالغربال أو المصفاة، داخل حلقة النار هذه”.
وقال المتحدث باسم السفارة الروسية في تركيا ايغو ميتياكوف إن جثة الطيار اوليغ بيسكوف ستنقل من محافظة هاتاي بحضور الملحق العسكري الروسي إلى أنقرة أولاً، مضيفاً أن موعد وتوقيت نقل الجثة إلى روسيا لم يحددا بعد.
ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأول، مرسوماً تضمن الإجراءات العقابية ضد تركيا. وجاء في المرسوم أن الإجراءات التي أعدّتها الحكومة الروسية و “الهادفة إلى ضمان الأمن القومي وأمن المواطنين الروس” تشمل حظر رحلات “التشارتر” بين روسيا وتركيا ومنع أرباب العمل الروس من توظيف أتراك وإعادة العمل بنظام تأشيرة الدخول بين البلدين، مع “وجوب امتناع وكالات السفر الروسية عن اقتراح مواد على المواطنين الروس تشمل زيارة أراضي تركيا”.
وأوضح المرسوم أنه اعتباراً من أول كانون الثاني المقبل “لن يكون في استطاعة (أرباب العمل الروس) توظيف أفراد من بين مواطني الجمهورية التركية»، وهو يمنع أيضا «المنظمات الخاضعة للقوانين التركية” من العمل على الأراضي الروسية.
ويلحظ المرسوم “منع استيراد بعض أنواع البضائع التي مصدرها الجمهورية التركية أو الحد منه”، من دون تحديد تاريخ لذلك، وذلك استنادا إلى لائحة تحددها الحكومة الروسية ولم ينشر مضمونها.
وحاول أردوغان، أمس الأول، تهدئة الوضع، برغم توصية الأتراك بتجنب السفر غير الضروري إلى روسيا.
وقال أردوغان “أنا فعلا حزين لهذا الحادث. نتمنى لو لم يحصل أبداً، لكنه حصل. آمل ألا يتكرر مجددا”. وأضاف “نأمل ألا تتفاقم القضية بيننا وبين روسيا تفاقماً إضافياً، وألا تترك عواقب وخيمة في المستقبل”. وتابع “روسيا مهمة لتركيا كما هي تركيا مهمة لروسيا. البلدان لا يمكنهما الاستغناء الواحد عن الآخر”.
وكرر دعوته بوتين إلى لقاء مباشر أثناء وجودهما في باريس لحضور قمة المناخ، والتي تنطلق اليوم. وقال “يجب ألا ندع هذه القضية تتصاعد إلى حد تقضي فيه بالكامل على علاقاتناظ”، لافتاً إلى أن “القمة (حول المناخ) قد تشكل فرصة لإصلاح علاقاتنا”.
إلا أن موسكو رفضت تخفيف الضغوط عن أنقرة. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “من وجهة نظرنا، من الصعب الآن تحديد إلى أي مدى يمكن التنبؤ بسلوك القيادة التركية”. ووصف تصرف سلاح الجو التركي بأنه “جنون مطبق”. وقال إن تعامل أنقرة مع الأزمة بعد وقوعها ذكّره “بمسرح العبث”.
وقال بيسكوف “لا أحد يملك الحق في إسقاط طائرة روسية غدراً من الخلف”، واصفاً الدليل التركي الذي يزعم أن الطائرة الروسية اخترقت المجال الجوي التركي بأنه “رسوم كرتونية”. وقال إن الأزمة دفعت بوتين “للاستنفار” بطريقة الجيوش في أوقات الأزمات. وأضاف “الرئيس مستنفر.. مستنفر تماما.. مستنفر للحد الذي يقتضيه الموقف. هذا الظرف غير مسبوق. هذا التحدي لروسيا غير مسبوق. لذا، من الطبيعي سيكون رد الفعل على قدر هذا التهديد”.
إلى ذلك، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في مقابلة مع قناة “فرانس 24” بثت أمس الأول، أن “هذا الحادث بين عضوين أساسيين في التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية مؤسف”. ودعا قادة البلدين إلى “نزع فتيل هذه الأزمة وحلها عبر الحوار”.
وقال وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الايطالي باولو جينتيلوني في الدوحة، إن “تركيا وروسيا ستجدان طريقة للحل السياسي والديبلوماسي”، معرباً عن أمله “ألا يكون هناك تصعيد بين البلدين”.
Comments are closed.