مصيـــر المخــــطط الأميــــركي فــــي المنطقــــة

لم يتأخر الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب كثيراً في الكشف عن نواياه المبيتة تجاه المنطقة وأزماتها الملتهبة، حيث بدأ عهده بداية غير مشجعة، أعطت انطباعاً بأنه يريد استكمال عهود من سبقوه من الرؤساء الأميركيين بأسلوب جديد يحافظ على إبقاء المنطقة على ما هي عليه اليوم من تصعيد وعنف وإرهاب وحروب وأزمات مشتعلة لا أفق لها، عبر سياسات تفوح منها روائح العربدة والتهديد والرغبة بالهيمنة والتفرد بشؤونها،

مسقطاً بذلك كل الاحتمالات التي أثيرت حول إمكانية حدوث تغيير إيجابي في مسار سياسات واشنطن المعلنة.‏

فالمناطق الآمنة في سورية التي فشلت إدارة أوباما ـ غير المأسوف عليها ـ في تحويلها إلى أمر واقع لصعوبة الواقع الميداني وتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، عاد ترامب إلى طرحها بقوة دون إعطاء إيضاحات حول تفاصيلها وظروفها وغاياتها، كما عاد ترامب إلى توتير الأجواء والعلاقات مع إيران بعد فترة من المناخات الايجابية التي رشحت عن الاتفاق النووي التاريخي بين إيران والسداسية الدولية، وذلك تلبية لطموحات إسرائيلية لطالما عبّر عنها نتنياهو وكانت سبباً لخلافات ومشاحنات بين إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية الحالية، وإن كان سيف العقوبات الذي شهره ترامب مجددا في وجه إيران بذريعة إجرائها تجربة صاروخية جديدة، كان مشهرا طوال الوقت من قبل إدارة أوباما التي تلكأت كثيرا في تنفيذ التزاماتها تجاه إيران، وفرضت العديد من العقوبات المالية بحق مسؤولين ومؤسسات إيرانية تحت عناوين مختلفة.‏

التصريحات والمواقف العقلانية التي تأبطها ترامب أثناء معركته الانتخابية وساهمت بإيصاله إلى البيت الأبيض سرعان ما تبددت في غضون أيام قليلة، بحيث بات لزاما على المتابعين للسياسة الأميركية إعادة قراءة شخصيته الجدلية وتحليل تقلباته في ظل المواقف المستجدة، بغض النظر عن المؤسسات واللوبيات السياسية والإعلامية ومراكز قرار المتحكمة بقرارات البيت الأبيض، والتي تعرقل إجراء تغييرات جوهرية وملموسة في مجرى السياسة الأميركية، ويبقى السؤال إلى أين تتجه أزمات المنطقة في ظل هذه التقلبات الترامبية المتكررة، وما هي أفاق المخططات الأميركية في المنطقة خلال الاربع سنوات القادمة.‏

يرى المهتمون بملف الأزمة والحرب على سورية ومسألة محاربة الارهاب أنه لن يكون بوسع أميركا وحلفائها إملاء شروطهم وتنفيذ أجنداتهم بهذه السهولة، بسبب تصاعد حدة الخلاف بين واشنطن وبين باقي مكونات محورها المعادي لسورية، حول مسائل اللاجئين والهجرة وقضايا أخرى، وجوهر المشكلة أن أميركا تتعامل مع الدول الأوروبية الوازنة كتابع وليس كشريك، وما تشهده العديد من العواصم الأوروبية من احتجاجات ومواقف منددة بسياسات ترامب إلى جانب انتقادات من قبل النخبة الأوروبية الحاكمة يؤشر إلى حجم الفجوة التي بدأت بالاتساع.‏

ويبقى نجاح أي سياسة أميركية جديدة بخصوص ملف الحرب على سورية مرهون بتحقق أمور عديدة منها، التنسيق والتعاون مع سورية وحلفائها وخاصة روسيا وإيران، ونجاعة ومصداقية الحرب على داعش وتحقيق تقدم ملموس في هذا الملف وعدم استثماره خدمة لأجندات أميركية خاصة، وكذلك تبديد شكوك النظام التركي بخصوص التعاون الأميركي مع مجموعات كردية انفصالية تضعها أنقرة على لوائح الارهاب..‏

أما في الملف الإيراني فلا تبدو طهران مكترثة كثيرا بما يتقوله ترامب من تصريحات نارية، وما ينشره من تغريدات «غير مؤدبة» على مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما تتخذه إدارته من عقوبات عجزت نظيراتها في السابق عن عرقلة تقدم إيران الاقتصادي والعسكري والنووي والسياسي، وقد عبر أكثر من مسؤول إيراني كبير بينهم الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف عن رفضهم لهذه التصريحات وإدانتهم لهذه العقوبات، وعدم خشية بلادهم من التهديدات الأميركية التي غايتها إرضاء رغبات بعض الأنظمة الخليجية وكذلك الكيان الصهيوني صاحب المصلحة الحقيقية في إفشال الاتفاق النووي وإعادة عقارب الساعة للوراء.‏

وتعول إيران على توازن وعقلانية باقي أطراف السداسية الدولية التي أنجزت الاتفاق معها، وقد استهجنت بعض هذه الأطراف تصريحات ترامب وفريقه الحكومي، لأن الاتفاق له صفة قانونية ملزمة وهو مصادق عليه في وثائق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، وليس من السهل على إدارة ترامب القفز فوق التزامات الإدارة التي سبقتها إلا إذا كانت ستتصرف بتهور بعيدا عن إرادة المجتمع الدولي، وأما اتهام ترامب لإيران بأنها تلعب بالنار وأن أوباما كان لطيفا معها وهو ليس كذلك، فهي أقرب إلى تسلية إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي لا تستحق الرد عليها، فإيران لن تبادر إلى إشعال حرب ردا على هذه التصريحات، وإن كانت أرسلت إلى ترامب رسائل غير مباشرة عبر مناوراتها العسكرية حول جهوزيتها للرد بقوة على أي تهديد أو عدوان يستهدفها.‏

في المحصلة، لم تحقق مثل هذه السياسات أي نجاح يذكر في السابق، ولن يكون بمقدور ترامب عبرها المحافظة على دور مهم لواشنطن في المنطقة لأن العالم قد تغير كثيرا خلال الحرب على سورية ولم تعد أميركا لوحدها على مسرح السياسة الدولية، ولكنها قد تستطيع إطالة أمد الحروب والأزمات في المنطقة وأن تمدد في عمر الارهاب وأن تمنح إسرائيل المزيد من الفرص للعربدة والعدوان دون أن ينعكس ذلك إيجاباً على أمنها وأطماعها التوسعية وأحلامها بإقامة دولتها العنصرية، وقد تنجح واشنطن بحصد بعض المكاسب المالية عبر ابتزاز حلفائها وأدواتها من خلال صفقات السلاح وتضخيم الخطر الإيراني، لكن ذلك لن يعيد هيبة أميركا المفقودة ولن يعيدها أمبراطورية وحيدة تتربع عرش القرار العالمي، فثمة قوى كبيرة صاعدة لن تسمح مصالحها وعلاقاتها ونجاحاتها وطموحاتها بذلك، ومن شأن أي صدام قادم أن يفقد أميركا الكثير من رصيدها ودورها العالمي وأن يفشل مخططاتها، وأن ينقل الأزمات إلى داخل مجتمعها .‏

عبد الحليم سعود / سوريا

Comments are closed.