ثلاث ضرَبات قاتلة

تتواصل الصّدمات السياسيّة والقانونيّة على دولة الاحتلال في المحاكم الدوليّة، ولكن، ما هُو أهم من ذلك، تلقّيها عدّة ضربات ميدانيّة عسكريّة قاتلة في اليومين الماضيين ستكون لها انعكاسات عسكريّة خطيرة على حاضِرها ومُستقبلها:

  • الأولى: إطلاق كتائب القسّام اليوم الأحد 12 صاروخًا باليستيًّا على مدينة تل أبيب أدّت إلى حالةٍ من الذُّعر في صُفوف المُستوطنين الذين فرّوا في الشّوارع مِثل المجانين، وإصابة ثلاثة منهم، وتعطيل حركة الطّيران في مطار اللّد (بن غوريون)، ومن المُفارقة أنّ هذه الصّواريخ انطلقت من مدينة رفح المُحاصَرة.

  • الثانية: إعلان المُجاهد “أبو عبيدة” “أنباءً سارّة” لمُحبّيه، وهُم بمئات الملايين، عن تنفيذ كتائب القسّام عمليّة “مُركّبة” عصر أمس السبت استدرج رِجالها قوّة إسرائيليّة “نخبويّة” مُكوّنة من 16 ضابطًا وجُنديًّا إلى أحد الأنفاق في مخيّم جباليا شِمال القطاع واصْطادوها في كمينٍ داخِل نفق، وأوقعوا جميع أفرادها بين قتيلٍ وجريحٍ وأسير، واستولوا على عتادها العسكريّ.

  • الثالثة: تدمير 5 دبّابات مُعظمها من نوعِ “الميركافا” وجرّافتين بقذائف “الياسين 105” والهاون، علاوةً على ناقلاتِ جُنود أيضًا.

أهميّة هذه العمليّات الثّلاث لا تتأتّى من حُدوثها في غُضون يومين، وبعد ما يَقرُب من ثمانية أشهر من بداية الحرب على القطاع، وإنّما أيضًا تأكيدها على صلابة وصُمود كتائب المُقاومة، وقُدراتها النوعيّة العسكريّة وإبداعها التّخطيطيّ في ميادين القتال وإدارتها الذّكيّة للحرب المُتمثّلة في طُولِ النّفس، وتبنّي عُنصر المُفاجأة، وسياسة المراحل المدروسة بعنايةٍ فائقة.

المُجاهد محمد أبو طربوش مسؤول العمل الجماهيري في حركة “حماس” الذي كانَ أوّل من قدّم إحصاءً دقيقًا للخسائر البشريّة التي تكبّدها العدو، عندما قال إنّ عدد أفراد القوّة الإسرائيليّة التي وقعت في الكمين بين قتلى وجرحى وأسرى وصل إلى 16 جُنديًّا بين ضابط وجندي، وسيتم بث شريط فيديو لاحقًا يُوضّح أعداد الأسرى، وأرفق بيانه بصُورٍ تحتوي على جثامين لبعض القتلى أثناء جرّهم من النّفق.

المُتحدّث العسكري الإسرائيلي سارع، وبعد أقل من دقيقتين من بيانِ المُجاهد أبو عبيدة، إلى نفي وقوع أيّ أسرى، في مُحاولةٍ لطمأنةِ الرّأي العام الإسرائيلي المرعوب من هذا التطوّر الميداني الصّادم له، ولكن الكذب يُشكّل العمود الفقري لعملِ المُتحدّثين السّياسيين الإسرائيليين، على عكس المُجاهد “أبو عبيدة” وبياناته التي تتّسم دائمًا بالدقّة والصّدق، الأمر الذي جعل الإسرائيليين يثقون به وما يقوله في إطلالاته التلفزيونيّة أكثر من المُتحدّثين باسم جيشهم وكِبار سياسيّيهم وعلى رأسِهم بنيامين نتنياهو.

هُناك عدّة وقائع بارزة تُؤكّد ما قلناه آنفًا:

  • الأولى: إصدار المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي بيانًا ينعي فيه اللواء اساف حمامي قائد لواء الجنوب ويُؤكّد مقتله في غزة الذي أُقيم له حفل تأبين رسمي بعد هُجوم 7 أكتوبر، الأمر الذي دفع زوجته “سابير” للزّواج من أخيه، وهي الآن حامل منه، لتُعلن القسّام قبل أيّام أنه لم يُقتل، وهو أسيرٌ لديها في مكانٍ أمِن فأُصيبت زوجته بانهيارٍ عصبيّ وهي الآن في المُستشفى، أمّا أُمّه فتمنّت له الموت بعد الجُرح الكبير للعائلة، مثلما قالت صُحف عبريّة.

  • الثانية: أنكر النّاطق باسم الاحتلال قبل عشر سنوات أسْر المُقاومة للجُندي شاؤول آرون في حرب عام 2014 على قطاع غزة، بعد أن وقع في كمينٍ ومعه 14 جُنديًّا من زُملائه نصَبته قوّات القسّام جرى قتلهم جميعهم باستِثنائه، وما زال شاؤول في الأسْرِ حتّى الآن.

  • الثالثة: ادّعاء الجيش ومُتحدّثوه بعد أُسبوعين من اجتياح القطاع سيطرة الجيش الإسرائيلي على شِمال قطاع غزة بالكامل، وإنهاء سيطرة حُكومة حماس عليه، وبدء وضع خطط لحُكومة بديلة تحت إشراف تل أبيب ليعود الجيش بعد ثمانية أشهر في مُحاولةٍ يائسة أكثر من مرّةٍ إلى شِماله، وخاصَّةً أحياء الزيتون والشجاعيّة، ومخيّم جباليا، وبيت حانون، ومُنيت قوّاته بخسائرٍ كبيرة في المرّة الثّانية أكثر من الأُولى.

  • الرابعة: ترويج أنباء من قِبَل المُتحدّثين الإسرائيليين بأنّ مُجاهدي القسّام اغتصبوا مُستوطنات، وقطَعوا رؤوس الأطفال أثناء اقتحامهم لمُستوطناتِ غلاف غزة أثناء عمليّة طُوفان الأقصى، ليتبيّن كذبها، واعتِذار محطّات تلفزيونيّة بارزة عن تِكرار هذه الأكاذيب، وكذلك جو بايدن نفسه الذي تبنّاها.

بيان “أبو عبيدة” الأخير يُشكّل ضربةً صاعقة للجيش الإسرائيلي وقيادته، وجاء تأكيده وتعزيزه من قِبَل زميله أبو طربوش، الذي زفّ بُشرى أسْر جُنود إسرائيليين، وهو الإعلان الذي قُوبل باحتفالاتٍ في مُعظم أنحاء فِلسطين المُحتلّة، بِما فيها الجليل، وبعض العواصم العربيّة، لأنّ عمليّة الأسْر هذه لا تُؤكّد فشَل الجيش الإسرائيلي في حماية جُنوده ومُستوطنيه، وتحقيق أهدافه باجتِثاث المُقاومة، واستعادة الأسرى، وإنّما تعكس استراتيجيّة المُقاومة الجديدة في نَصبِ الكمائن والتّركيز على زيادة أعداد الأسرى لديها، واستمرار إطلاق الصّواريخ المُتطوّرة، ممّا سيُصيب نتنياهو ومجلس حربه في مقتل، لأنّه لم يفشل فقط في الإفراج عن الأسرى، وإنّما زادَ من أعدادهم، ولا نستغرب أنّه يرقد على سريرٍ في أحد المُستشفيات مُصابًا بجَلطةٍ في دِماغه أو قلبه.

إسرائيل خسرت الحرب، واقتحام رفح الذي تُروّج له سيُكلّفها الكثير من الخسائر البشريّة، ولهذا قلّصت قوّاتها في شرقها، وسحبت لواء النّخبة جفعاتي من منطقة العمليّات هُروبًا، فما فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيقه بعد 8 أشهر من الحرب في الشّمال وخان يونس لن يُحقّقه في الجنوب، حيث كتائب المُقاومة في ذروة الاستِعداد والجاهزيّة.

نختم بالقول “المأثور” للمُجاهد يحيى السّنوار مُهندس “طوفان الأقصى” مع مُساعديه جِنرالات القسّام على تنفيذه وإدارة الحرب من غُرفة عمليّات آمنة في أحد الأنفاق التي ستَدخُل التّاريخ: “إنّ رشقة 250 صاروخًا على تل أبيب أسهلُ علينا من شُربَةِ ماء”، وها هي “طُوفان الأقصى” تُثبت عمليًّا وميدانيًّا هذه الحقيقة.

عبد الباري عطوان

لندن

رأي اليوم

Comments are closed.