عندما تثبت لك التجارب السياسية في العراق أنك “طنطل سياسي”

 

المصطلحات السياسية في العراق مليئة بالرمزية والتشبيهات التي تتراوح بين السخرية والتهكم، وكثيرًا ما تُستخدم لوصف الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في التكيف مع الواقع السياسي المعقد والمتقلب في البلاد. من بين هذه المصطلحات، نجد “الطنطل السياسي”، وهو تعبير يربط بين المبالغة والتقليل من قدر الشخص السياسي الذي فشل في التأثير بشكل فعّال أو مستمر على مجريات الأحداث. فما الذي يعنيه أن تكون “طنطلًا سياسيًا”، وكيف يمكن للمجريات السياسية في العراق أن تثبت ذلك؟ هذا السؤال يحتاج إلى تحليل عميق في سياق الواقع السياسي الذي يعيشه العراق اليوم، والذي يتسم بالتحديات المستمرة والصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية.
التجربة السياسية في العراق: الواقع المعقد
بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، دخلت البلاد في مرحلة انتقالية مليئة بالفوضى السياسية والاقتصادية. ولم تنتهِ هذه الفوضى حتى اليوم، إذ يواجه العراق تحديات أمنية خطيرة، وانقسامات طائفية وإثنية، وتدخلات إقليمية ودولية، إضافة إلى فساد مستشري على مختلف مستويات الدولة. في هذا الواقع المعقد، تصبح السياسة العراقية لعبة شديدة الصعوبة، تتداخل فيها الأيديولوجيات والمصالح الشخصية والعامة.
الكثير من السياسيين في العراق وجدوا أنفسهم في مواجهة هذا النظام القاسي والمربك، ما جعل البعض منهم يشعرون بالعجز أو الفشل في إحداث التغيير الذي كانوا يتطلعون إليه. في مثل هذا السياق، قد يبدأ الشخص السياسي في الشعور بأنه “طنطل سياسي”، أي أنه أصبح مجرد شخصية هامشية لا تؤثر في مجريات الأحداث ولا يحقق أي تقدم يُذكر في مسيرته السياسية.
الطنطل السياسي: تعبير عن الفشل أو الخلل
إطلاق لقب “الطنطل” على شخص سياسي في العراق يحمل معاني متعددة، لكنه يشير غالبًا إلى الفشل في فرض الذات في المشهد السياسي. قد يكون هذا الفشل نتيجة لعدة عوامل، أبرزها:
1. الانقسامات السياسية والطائفية: العراق يعاني من انقسامات عميقة بين مختلف الطوائف والمكونات. هؤلاء الذين يسعون للتأثير في السياسة العراقية غالبًا ما يجدون أنفسهم عالقين في دوامة التوازنات الطائفية والعرقية التي تضعف قدرتهم على اتخاذ قرارات حاسمة. في كثير من الأحيان، يُجبر السياسيون على الانصياع لتحالفات محدودة أو مواقف ضاغطة، ما يؤدي إلى شعورهم بالعجز.
2. الفساد السياسي: يعتبر الفساد واحدًا من أبرز التحديات التي تواجه العملية السياسية في العراق. الفساد المستشري في الحكومة والقطاع الخاص يحول دون تحقيق أي تقدم حقيقي. السياسي الذي يرفض الانخراط في هذه الشبكة الفاسدة قد يشعر بالعزلة السياسية والضعف. ومع مرور الوقت، قد يتحول إلى مجرد شخصية هامشية لا تأثير لها في الواقع السياسي.
3. التدخلات الإقليمية والدولية: تدخلات الدول الإقليمية، مثل إيران والسعودية وتركيا، وأيضًا القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة، تساهم في تقويض السيادة العراقية وتوجيه السياسة نحو مصالح خارجية. السياسي الذي يحاول التحرك خارج هذا السياق قد يجد نفسه مُهمشًا أو “طنطلًا”، غير قادر على التأثير في القرار السياسي.
4. الظروف الاقتصادية والاجتماعية: الوضع الاقتصادي في العراق هش، ويعاني المواطنون من الفقر والبطالة وتدهور الخدمات العامة. السياسيون الذين لا يستطيعون تقديم حلول ملموسة لهذه المشاكل قد يفقدون الدعم الشعبي، ويبدأون في الوقوع في دائرة الفشل. هذا الفشل قد يؤدي إلى تصنيفهم كـ”طنطل سياسي”.
كيف تصبح “طنطلًا سياسيًا”؟
تثبت التجارب السياسية في العراق أن العديد من السياسيين يمكن أن يتحولوا إلى “طنطلات سياسية” بسبب عدد من العوامل الذاتية والموضوعية. هناك مسار معين يمكن أن يؤدي بالفرد إلى هذا الوضع:

1. الافتقار إلى الكاريزما السياسية: في السياسة العراقية، كما في معظم السياسات حول العالم، يلعب الكاريزما دورًا كبيرًا في التأثير على الجمهور وبناء التحالفات. إذا كان السياسي يفتقر إلى القدرة على التأثير في الناس أو جذب التأييد الشعبي، فقد يصبح غير قادر على تحريك الأحداث، مما يجعله في النهاية “طنطلًا”.
2. الوقوع في فخ الانتهازية: الكثير من السياسيين العراقيين دخلوا عالم السياسة بدوافع شخصية، مثل تحقيق الثروة أو السلطة، دون أن تكون لديهم رؤية واضحة لتحسين الوضع الوطني. هؤلاء غالبًا ما ينتهون إلى الاندماج في النظام الفاسد ولا يحققون أي إنجازات حقيقية، مما ينعكس سلبًا على سمعتهم ويجعلهم “طنطلات سياسية”.
3. الركود في الأداء: في العديد من الحالات، يثبت السياسيون عجزهم عن تقديم حلول ملموسة للمشاكل التي يعاني منها الشعب. يمكن أن يكون هذا نتيجة لافتقاد الخبرة أو قلة المهارات القيادية. ومع مرور الوقت، يصبح هذا السياسي مجرد “شخصية شكلية”، لا تتعدى قدرته على إلقاء الخطابات أو التصريحات الصحفية.
هل من سبيل للنجاة؟
السؤال الأهم في هذا السياق هو: هل يمكن لشخص سياسي أن يتجنب أن يصبح “طنطلًا سياسيًا”؟ الإجابة تكمن في كيفية التعامل مع التحديات التي يواجهها. من الممكن، بلا شك، لشخص أن يحقق تأثيرًا سياسيًا فعّالًا حتى في بيئة مليئة بالفساد والانقسامات. ولكن هناك عدة شروط يجب توافرها لتحقيق ذلك:
1. بناء تحالفات استراتيجية: على السياسي العراقي أن يكون قادرًا على بناء تحالفات قوية مع القوى السياسية والاجتماعية المختلفة. بدون تحالفات حقيقية ومؤثرة، يصعب لأي شخص أن يحقق النجاح.
2. الابتكار في الحلول: لا يكفي أن يكون السياسي قادرًا على تشخيص المشاكل. يجب عليه أن يكون لديه حلول مبتكرة وواقعية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب العراقي.
3. التواصل مع الجمهور: التواصل الفعّال مع الشعب والقدرة على فهم احتياجاته ورغباته هي مفتاح النجاح السياسي في العراق. السياسي الذي يعجز عن التواصل بشكل حقيقي مع قواعده الشعبية قد يصبح مجرد “طنطل”.
4. الاستقلالية الفكرية والسياسية: القدرة على اتخاذ مواقف مستقلة والابتعاد عن الانخراط في التكتلات الفاسدة هي جزء من الحفاظ على المصداقية والشرعية السياسية. السياسي الذي يحافظ على استقلاليته الفكرية قد ينجح في بناء قاعدة دعم مخلصة.
وفي الختام إن كونك “طنطلًا سياسيًا” في العراق ليس مجرد مصطلح ساخر، بل هو تجسيد للفشل في التأثير على واقع سياسي معقد ومتعدد الأبعاد. ولكن، هذا الفشل لا يعني نهاية الطريق. العراق بحاجة إلى سياسيين قادرين على التغلب على الصعاب، ويجب على من يطمح في التأثير أن يتعلم من أخطاء الماضي، ويواصل العمل الجاد لتحقيق تغيير حقيقي.
الدكتور . عائد الهلالي

العراق

Comments are closed.