أفقر رئيس في العالم

بهدوء يشبه ملامح وجهه كثيراً رحل أفقر رئيس دولة في العالم والفلّاح الذي حكم أورغواي ، يوم الثلاثاء الماضي وحيث العالم مشغول بأزماته وحروبه واجتماعات الرؤساء غادر رئيس الأورغواي السابق خوسيه موخيكا هذه الدنيا إلى مثواه الأخير راضياً مرضياً، غير متبوع باللعنات وغير آسف على سيارته الشخصية القديمة نوع فولكسواگن ولا على القصر الرئاسي الذي رفض الإقامة فيه ولا على راتبه الشهري الذي تبرّع به للفقراء ولمشروع إسكان اجتماعي واكتفى بعشرة بالمئة منه فقط وعاش في مزرعته الشخصية، أي في بيت طابو زراعي، وقد حكم بلاده خمس سنوات ( 2015-2010) وكان مناهضاً للإفراط في الاستهلاك أي مناهضاً للتبذير والهدر في المال الخاص والعام، (ولا تبذر تبذيرا أن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) منسجماً مع هذه الآية الكريمة التي تمر علينا نحن المسلمين مراراً وتكراراً منذ نزول القرآن الكريم، والرئيس الذي خلفه قال في برقية التعزية سنفتقدك كثيراً أيها الناشط والمرشد والقائد والعجوز العزيز، لكن شخصية هذا الرئيس الفقير هي خليط من القسوة والمعارضة المسلحة والتعذيب والسجن والوصول لسدة الحكم والسلطة، فقد تزعم حرب عصابات وانضم لحركة يسارية وحمل السلاح ضد الديكتاتورية، ولم تفقده السلطة توازنه ولم يتنكّر لأيام الفقر والحرمان بل حنّ اليها؛ لأنها هي التي صنعت منه الرجل الشجاع الرافض للملذات والاستبداد، فكيف يحارب الديكتاتورية ويأتي بمثلها، وقال في أحد تصريحاته التي ترتقي إلى مستوى الحكمة : “الفقر من أشكال العبودية الحديثة وأنا غني لأنني لا أحتاج إلى الكثير وقد اخترت حياة بسيطة لأنني أؤمن أن السعادة لا تُشترى”.

ومن هذه الرؤية الثاقبة دعم العمال والفلاحين وحارب تجار المخدرات وسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وقاد تحولات كبرى في بلاده ووضعها في مقدمة الدول الديمقراطية المستقرة في أميركا اللاتينية، لكن التقييم النهائي يبقى لسكان البلاد الذين عاشوا تحت حكمه خمس سنوات، مع أنه خرج من قصره ودنياه كأفقر رئيس في العالم وختم حياته بكلمات لا ينطق بها إلا حكيم زاهد “إن جسدي الواهن لم يعد يتحمّل العلاج، ‎ومن الواضح أنني أموت ويستحق المحارب أن يستريح”. وقد وصفوه وشبّهوه بغاندي ومانديلا لكنه خوسيه موخيكا وحسب.

Comments are closed.