منذ أن صار تصفح مواقع التواصل الاجتماعي يسبق الإفطار الصباحي وبديلاً عن الجريدة والراديو والتلفزيون، ونحن نعيش دوامة لا تنتهي إلى قرار وراحة بال، سيل من الجدل والشد والتوتر والطاقة السلبية والتخويف من المجهول.
واذا كانت أمهاتنا وجداتنا تخوفنا من قدوم الطنطل اذا لم ننم مبكرين، ففي مواقع التواصل الاجتماعي من يبشرّنا بالويل والثبور والطنطل القادم لأهل العراق ليمسحهم من على وجه الأرض، متطرفون في فرحنا وحزننا، نغلّف الأمنيات بثياب التوقعات وننذر أكثر مما نبشّر، وفي مفهومنا الاجتماعي تحضر حكاية صگر أفيلح الذي يأتي لقومه بالفطائس فقط لا غير، ويحكى أن للمدعو أفيلح صقراً من الصقور على أهلهم والحمائم على الغير، رحم الله أفيلح الذي خلّف لنا جيلاً لا يرى لنا أملاً في العيش ولا ضوءاً في نهاية نفق الباب الشرقي، وأشهد أن افيلح كان فرداً وصار ظاهرة رقميّة تدعونا للبكاء في كل الأحوال، مرةً من هول الجفاف واختفاء نهري دجلة والفرات ومرةً من هول السيول والطوفان العظيم والمياه التي تذهب سدى.
يعزز هذا القلق استسلامنا للجفاف والسيول وجلوسنا على النهر بانتظار حلول السماء، حتى يذهب بنا اليأس والفزع إلى يوم قريب نستجمع فيه قوانا ونعد لهم ما استطعنا من قوة ورباط الخيل ونشن حرباً ضروساً على دولة المنبع وندمر سدودها تدميرا.
فإذا أبرقت وأرعدت وأمطرت وفاضت الأرض وجرفت السيول الشوارع وما عليها وجاءتنا الحلول من السماء بعد أن عجزت حلول الأرض عدنا نشكو غزارة المطر الذي افتقدناه وصلينا من أجله صلاة الاستسقاء لينزل علينا مدراراً فلما نزل لم نُصلِّ لله صلاة الشكر، كأنها دوامة لا تنتهي إلى قرار وثبات على حال، ولا غرابة فالسياب تغزّل بالمطر وسرعان ما استدرك ليلعن المياه والقدر: اتعلمين أي حزن يبعث المطر وكيف تنشج المزاريب اذا انهمر وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع، بلا انتهاء كالدم المراق، كالجياع، كالحب، كالأطفال، كالموتى هو المطر.
عبد الهادي مهودر
كاتب واعلامي
العراق
Comments are closed.