بغداد (عربي times)
تحدث رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بلهجة قوية بعد مقتل مستشار سابق للحكومة يعمل محللا سياسيا، وتعهد بتعقب قاتليه وكبح تصرفات الفصائل المسلحة.
لكن المواجهة بين الزعيم العراقي، الصديق للولايات المتحدة، والفصائل المسلحة القوية ، والتي يُحّملها أفراد مقربون منه المسؤولية عن قتل هشام الهاشمي يوم الاثنين، تشير إلى مدى صعوبة هذا الأمر.
ويقول مسؤولون حكوميون وسياسيون ودبلوماسيون إن سلسلة التحركات الجريئة من جانب الكاظمي خلال أول شهرين له في السلطة، والتي تضمنت مداهمتين لم يُكتب لهما النجاح للقبض على مسلحين، أظهرت محدودية سلطاته في مواجهة جماعات معادية لها نفوذ في مؤسسات الدولة.
وتولى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية في مايو/ أيار خلفًا لعادل عبد المهدي، الذي عمقت الجماعات العراقية المسلحة الموالية لإيران نفوذها في سياسة البلاد واقتصادها إبان فترة حكمه.
الصراع مع الكاظمي
وأُطيح بعبد المهدي العام الماضي أثناء احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة قُتل خلالها مئات المحتجين.
ويرى مطلعون على دهاليز السياسة في العراق أن قتل الهاشمي جزء من الصراع مع الكاظمي وأن ذلك يضعه أمام خيار قاسٍ، مواجهة الفصائل المسلحة أو التراجع وفقد الاعتبار.
وقُتل الهاشمي، وهو محلل معروف قدم المشورة للحكومة بشأن هزيمة مقاتلي تنظيم داعش وكبح نفوذ الفصائل المسلحة ، برصاص مسلحين اثنين على دراجة نارية أمام منزل أُسرته في بغداد يوم الاثنين.
وينفي مسؤولو فصائل شبه عسكرية أي دور لهم في الجريمة، وعبّر بعض أنصار تنظيم داعش عن سعادتهم بموته، غير أنه لم تعلن أية جماعة مسؤوليتها عن قتله، كما لم تشر الحكومة بأصابع الاتهام إلى جماعة بعينها.
ويقول بعض المقربين من الكاظمي إن القتل مرتبط بشكل مباشر بعمل الهاشمي في الآونة الأخيرة ضد الجماعات المسلحة.
وقال مسؤول حكومي كان تحدث مع الهاشمي بخصوص تهديدات تلقاها الراحل: ”تلقى تهديدات عبر الهاتف من رجال ينتمون لفصيل مسلح قبل ثلاثة أيام من مقتله، يحذرونه بشأن نشر مقالات“.
وقال المسؤول ومصدر حكومي ثانٍ مقرب من الكاظمي: إن الهاشمي كان يُقدم مشورة بخصوص خطط للحد من نفوذ الفصائل المسلحة، وإخضاع الجماعات شبه العسكرية الأصغر المعارضة لإيران لسيطرة الدولة.
وقال المسؤول الأول: ”قُتل لهذا السبب، اعتبروا عمله بمثابة تهديد وجودي لهم“.
وأضاف المصدران أن عمل الهاشمي كان يتطرق كذلك إلى كيفية انتزاع السيطرة على المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، والتي تضم مكاتب حكومية وسفارات أجنبية، من الجماعات المتحالفة مع إيران.
مداهمات جريئة
وأظهرت تلك الفصائل شبه العسكرية مدى تمكنها من اجتياح المنطقة الخضراء الشهر الماضي، بعد أن اعتقلت القوات العراقية 14 فردا من مقاتلي جماعة متهمة بالتورط في شن هجمات صاروخية على منشآت أمريكية.
فقد دخل المسلحون المنطقة بمركبات من أجل الضغط على السلطات للإفراج عن زملائهم. وتم الإفراج عن الجميع باستثناء واحد فقط في الأيام التالية.
وأخفقت مداهمة في البصرة جنوب البلاد في شهر مايو أيار في تقديم أي شخص للقضاء. وألقت قوات الأمن العراقية القبض على أعضاء في جماعة ”ثأر الله“ الموالية لإيران، متهمين بإطلاق النار على محتجين وأغلقت مقر الجماعة.
وقالت الشرطة إنه تم إطلاق سراح المعتقلين، كما أُعيد فتح مكتب الجماعة.
ففي القضيتين قال القضاة إنهم لم يجدوا أدلة كافية لمحاكمة أعضاء الفصيلين المسلحين.
وأشادت الولايات المتحدة، التي تجري محادثات مع الكاظمي حول العلاقات المستقبلية مع واشنطن، بمداهمة يونيو حزيران. غير أن ذلك أثار غضب الجماعات القوية التي تنظر بالفعل للكاظمي بعين الارتياب باعتباره صديقا مقربا لواشنطن.
وقال قيس الخزعلي زعيم أحد الفصائل المسلحة: إن واجب الكاظمي كرئيس للوزراء هو إجراء انتخابات مبكرة والتعامل مع الأزمتين الاقتصادية والضحية، وليس مواجهة الفصائل المسلحة.
وانتقد أحمد الأسدي، السياسي والمسؤول الكبير في أحد الفصائل شبه العسكرية، الخطوات الأولى للكاظمي.
وقال إن الفصائل شعرت بأنها مستهدفة بأعمال الكاظمي، مشيرًا إلى أنها كانت غاضبة بالفعل لأنه يجري محادثات مع الولايات المتحدة دون إشراك مفاوضين من مزيد من الأحزاب السياسية في العراق.
وتطالب الفصائل المسلحة الحكومة بأن تحدد موعدا لانسحاب القوات الأمريكية المتمركزة في العراق، والتي تتمثل مهمتها الأساسية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها تخفض عدد أفرادها.
افتعال شجار
ويقول أنصار الكاظمي: إنه بدون مواجهة الفصائل المسلحة فإن أي جهود للإصلاح السياسي والمالي في العراق ستكون جزئية، لكنهم يضيفون أن قراره الخاص بملاحقة المسلحين بشكل علني قد يعرض قيادته للخطر، كما سيعرقل قدرته على إجراء أي إصلاح.
وقال سياسي كبير: إن الكاظمي بحاجة إلى التركيز بشكل أقل على منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، وبشكل أكبر على تعزيز وضعه قبل مواجهة الفصائل المسلحة القوية.
وأضاف: ”الأمور تبدو سيئة. الكاظمي ارتكب خطأ جسيما بشأن زيادة التوقعات حول ما يرغب في إنجازه وهو يفقد اعتباره. تحركه ضد كتائب حزب الله مُصيب لكن التوقيت خاطئ“.
وقال المكتب الإعلامي للكاظمي: إن رئيس الوزراء ”يبذل قصارى جهده“ أمام التحديات الأمنية والمالية التي تفاقمت منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وقال مسؤول حكومي آخر كبير: إن قتل الهاشمي كان علامة على اليأس. وأضاف: ”عندما تشعر بأنك مهدد تتصرف بهذه الطريقة. لو كنت قويًا فإنك لن تحتاج لقتل محلل سياسي“.
ويقول محللون إنه لو فقد الكاظمي النخبة السياسية فإنه سوف يحتاج إلى دعم المواطنين العراقيين ليستمر في منصبه، غير أن بعض هؤلاء لا يثقون به.
وتقول لجنة حقوق الإنسان شبه الرسمية إن تعهدا بالإفراج عن متظاهرين احتُجزوا العام الماضي لم يسفر عن إطلاق سراحهم.
والأكثر إيلاما بالنسبة للنشطاء العراقيين هو أن بلدهم لا يزال ساحة حرب بين الولايات المتحدة وإيران.
Comments are closed.