أديس أبابا (عربي times)
انتقدت الخارجية الإثيوبية موقف الولايات المتحدة تجاه أزمة إقليم تيغراي ووصفته بغير المتوازن. وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي خلال مؤتمر صحافي عُقد يوم الخميس 19 أغسطس (آب) الحالي، “أبلغنا المبعوث الأميركي الخاص إلى القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان (الذي يزور إثيوبيا حالياً) أن موقف بلاده بشأن أزمة تيغراي غير متوازن ويشجع جبهة تصنفها أديس أبابا إرهابية”.
انتقادات متجددة
وكانت الحكومة الإثيوبية واجهت خلال الأشهر الأخيرة، انتقادات أميركية وغربية مستمرة خلال وبعد الحملة العسكرية التي شنتها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ضد “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” إثر اتهامها بمهاجمة القيادة الشمالية لـ”قوات الدفاع الوطني” الإثيوبية. كما حمّلت دول غربية ومنظمات إنسانية، رئيس الوزراء الإثيوبي آبيي أحمد الذي أطلق “عملية إنفاذ القانون”، مسؤولية سقوط عديد من القتلى وتشريد آلاف، وارتكاب أعمال منافية للقانون.
وتزايد زخم الحملة الغربية ضد الحكومة الإثيوبية، حتى بعد استعادة “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” الإقليم بالكامل في يونيو (حزيران) الماضي، وتمددها إلى مناطق أخرى في إقليمَي أمهرة وعفار، وهو ما دفع الحكومة الإثيوبية التي أعلنت في السابق وقف إطلاق النار من طرف واحد، إلى حض المدنيين أخيراً على الانخراط في الجيش والمشاركة في القتال ضد المتمردين في إقليم تيغراي.
وكانت الولايات المتحدة، ضمن الضغوط التي ظلت تمارسها، فرضت في مايو (أيار) الماضي، قيوداً على التأشيرات ضد مسؤولين حكوميين إثيوبيين على خلفية انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في إقليم تيغراي. واعتبرت إثيوبيا من جهتها ذلك تجاوزاً، وهددت في رد فعلها بإعادة تقييم علاقاتها مع بعض الشركاء الدوليين، إذا استمرت محاولات التدخل في شؤونها الداخلية، شاكيةً من ممارسة ضغوط، لا داعي لها، عليها.
إجحاف في حقها
وفي ظل التطورات التي يشهدها إقليم تيغراي واختلال التوازن العسكري، بعد سيطرة “الجبهة الشعبية” على مدينة مقلي (عاصمة الإقليم)، تتزايد الضغوط على الحكومة الإثيوبية، عبر إصدار مواقف من الولايات المتحدة ومنظمات غربية تتحدث عن ممارسة القوات الإثيوبية أفعالاً غير إنسانية في حربها ضد التيغراي، وهو ما ترى فيه أديس أبابا إجحافاً بحقها، متهمةً بدورها “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” بارتكاب تجاوزات في إقليمَي أمهرة وعفار.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي قال في بيان صدر في 14 أغسطس الحالي، إن “الدبلوماسية الغربية ووسائل الإعلام استمرت في بذل الجهود لترديد أصوات الجماعة الإرهابية”. وأضاف أن “إثيوبيا في تاريخها مرت بعديد من التحديات والمآزق، وأن شعبها الشجاع لم يجلس وينتظر، وبدلاً من ذلك دفع حياته في مواجهة تحديات أعداء بلاده. وتابع “بهذه التضحيات البطولية لأبنائها الشجعان، سقط أعداء إثيوبيا، بينما كانت الدولة قادرة على الوقوف بثقة في وجه هذا العالم”. وأشار آبيي أحمد إلى أنه “مهما كانت التهديدات القادمة من العالم الخارجي أو التحديات التي تنشأ من داخل البلاد، عندما تكون هناك وحدة قوية بين أبناء شعب إثيوبيا، فإنها لا تكون أبداً فوق قدراتهم”.
وزاد أحمد أن “الدبلوماسية والعلاقات الخارجية، لعبة سياسية تسترشد بمبدأ الأخذ والعطاء”، مضيفاً “لا شك في أن بلادنا ستستفيد أكثر من الخط الدبلوماسي الصحيح. وعلى العكس من ذلك، فإن العلاقات الدبلوماسية التي تتم من خلال تعريض المصلحة الوطنية وسيادة بلدنا للخطر قد تجلب راحة مؤقتة، لكن عواقبها السلبية طويلة المدى كبيرة”. وأكد على أن “الحكومة تقوم بدورها لمنع ذلك”.
أقل الخسائر
وتعليقاً على مجريات وتطورات الأوضاع في ظل الاتهامات وردود الفعل الإثيوبية، قال الكاتب الصحافي إدريس جلال كنة إن “تأثير ملف تيغراي واضح لا محالة، في ما تعيشه إثيوبيا من ظروف وضغوطات، بخاصة بعد عملية إنفاذ القانون في نوفمبر الماضي. فالواقع السياسي والإنساني أدى إلى لفت نظر قوى إقليمية ودولية مهتمة ومتأثرة بمجريات الأحداث. ومن ثم تتباين وجهات النظر في الحلول وتحقيق السلام، وكان للتأثير الإقليمي بخاصة سلبياته”. وأضاف بشأن الاتهامات الموجهة إلى أديس أبابا، أن “كل الأطراف المشاركة في الحرب ارتكبت تجاوزات. والحكومة الإثيوبية لا تتحمل المسؤولية وحدها، لكن تعاطف الغرب مع واقع المعاناة التي عاشها شعب تيغراي، وما جرّته ظروف الحرب من تبعات هي التي تسببت في مواقف الغرب وبالأخص الولايات المتحدة”.
وعن الترجيحات بشأن تأثير السياسات الأميركية والغربية على المشهد الإثيوبي، قال الباحث في الشؤون الأميركية، الدكتور عادل عبد العزيز حامد، إن “الولايات المتحدة تنطلق في سياستها الخارجية عبر مؤسسات ومراكز دراسات، فضلاً عن توجهات تتشكل من منظمات وهيئات إنسانية لها تأثيرها الكبير على القرار الأميركي. فبحكم نشاط وقرب منظمات إنسانية وحقوقية من الأحداث التي تمس حقوق الإنسان والتجاوزات التي تُرتكب سواء عبر دول أو جماعات، تنعكس ردود الأفعال على كثير من المواقف. لذلك فأميركا في سياستها تجاه إثيوبيا تبني قراراتها وفق آلية متعددة الأطراف، ومن ثم يأتي القرار الأميركي قوياً وواضحاً، سواء جاء كتوجيه أو أمر”.
وعن رأيه في ما تلخصه زيارة فيلتمان، قال عبد العزيز، إن “الهدف من زيارة المبعوث إلى القرن الأفريقي هو تحقيق السلام على الساحة الإثيوبية بأقل الخسائر لكل الأطراف المتنازعة”.
وأضاف “فالبحث عن مصالحات وتوافقات تحقق الاستقرار، هو ما تبحث عنه السياسة الأميركية لحفظ مصالحها أولاً، ما يجنبها التدخل المباشر الذي باتت لا تحبذه سياستها الخارجية بدليل تعاملاتها المستجدة في كثير من البؤر والملفات”.
سيادة ووحدة إثيوبيا
كانت الولايات المتحدة أعلنت أنها ستوفد مبعوثاً إلى إثيوبيا للمطالبة بإنهاء القتال في إقليم تيغراي. وأوضحت الخارجية الأميركية في بيان أن الدبلوماسي المخضرم فيلتمان سيزور إثيوبيا في الفترة ما بين 15 و24 أغسطس الحالي. إلا أن الخارجية الإثيوبية تطرقت إلى تلك الزيارة بالقول “لاحظنا في لقاءات المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي بعض التغيرات، نحسب أنها ستتطور لتناسب العلاقات التاريخية بين البلدين”.
أما “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” فعلقت في تغريدة على موقع “تويتر” في 13 أغسطس، “يأتي المبعوث الأميركي الخاص جيفري فيلتمان إلى القرن الأفريقي الأسبوع المقبل. قد يوفر ذلك فرصة أخيرة لآبيي أحمد وعائلته لخروج آمن من أثيوبيا”.
وكان فيلتمان أكد من جهته، موقف بلاده الثابت تجاه سيادة ووحدة إثيوبيا.
وفي سياق متصل، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن “أمن واستقرار إثيوبيا ضروري لاستقرار المنطقة كلها”. ودعا غوتيريش جميع الأطراف المسلحة في إثيوبيا إلى وقف إطلاق النار فوراً. وأضاف أنه تواصل مرات عدة مع رئيس الوزراء الإثيوبي بشأن الوضع الأمني والإنساني في بلاده.
Comments are closed.