بغداد (عربي times)
يتعرض رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تدهور أسعار الدينار بأسلوب بارد وبإطلاق الوعود من دون أن يشير من قريب أو بعيد إلى مسؤولية حكومته عن هذا التدهور، أو أن يقدم اعتذاره للعراقيين لما وصلت إليه الأوضاع من سوء بسبب سياسات حكومته.
وكانت حكومة السوداني قد وعدت مع حصولها على ثقة مجلس النواب رفع قيمة الدينار مقابل الدولار، محملة الحكومة السابقة مسؤولية تدهور الدينار، لكن لا شيء من ذلك قد حصل، حيث بلغ الدينار أدنى مستوياته على الإطلاق أمام الدولار.
وانعكس هذا التدهور سلبا على أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية التي شهدت ارتفاعا كبيرا، ما أرهق ميزانيات الأسر العراقية وغيّر حساباتهم من حيث الإنفاق، وسط مطالبات بأن تتدخل حكومة السوداني لإنقاذ الوضع لكن ذلك لم يحصل، وتعاملت الحكومة ببرود مع الأزمة، واكتفت بالتصريحات من دون أيّ خطوات عملية.
وقال السوداني السبت “اتخذنا جملة من القرارات الجريئة لدعم الدينار العراقي واستقراره، ونحذر من يحاول استغلال الأزمة واللعب على احتياجات الشعب”.
وأضاف “لم يرتفع سعر الصرف نتيجة قرار حكومي، إنمّا لأن هناكَ من استغل الظروف الوقتية والاضطراب في الأسواق التي لم تألفْ بعدُ التعامل مع الآليات المصرفية الجديدة، التي ستحافظ على الأموال، وهي خطوة مهمة على طريق الإصلاح الاقتصادي”.
لكنّ مراقبين عراقيين يعتبرون أن السوداني ما يزال يسير على خطى من سبقوه من خلال التعامل مع الملفات المهمة من خلال إطلاق التصريحات والوعود الفضفاضة بشأن الفساد والأموال المنهوبة من دون الجلوس إلى الخبراء والمختصين واتخاذ قرارات قادرة على تحسين أوضاع الفئات الضعيفة.
وجدد السوداني التأكيد “على أولوية مكافحة الفساد، وإسنادها إلى القضاء والجهات المختصة لملاحقة المطلوبين والعمل على استرداد الأموال المنهوبة”.
وذكر السوداني “أخذنا بنظر الاعتبار، في كلِّ خطواتنا وفي أهداف الموازنة، أن نخفف الفقر المستوطنَ في بعض البيئات والقطاعاتِ العراقية ونشارف اليوم على الانتهاء من مشروع قانون الموازنة، وهو مختلف عن السنوات السابقة، وهي المرة الأولى التي يتمحور فيها قانون الموازنة حول البرنامج الحكومي”.
وكانت وزارة التخطيط العراقية قد أعلنت أن نسبة الفقر بلغت 25 في المئة ببلد تعداد سكانه نحو 42 مليون نسمة، وتعهدت بإعداد إستراتيجية لدعم الفئات الفقيرة وتحسين متطلبات العيش في مجالات الصحة والسكن والتعليم وتحسين الدخل.
ويشهد العراق منذ سنوات أزمة اقتصادية خانقة جراء الأزمات السياسية والصراعات فضلا عن سوء الإدارة وتفشي مظاهر الفساد، ورغم الطفرة المالية التي تحققت خلال الأشهر الماضية بفعل ارتفاع أسعار النفط، فإن العراقيين لم يلمسوا أيّ تحسن على الأرض.
وكانت حكومة السوداني التي تشكلت في أكتوبر الماضي قد وضعت في سلم أولوياتها مكافحة الفساد، وإنعاش الاقتصاد المتدهور، لكنّ متابعين يرون أن الكثير من التحديات تعوق جهود الحكومة من بينها القوى السياسية المتنفذة المنخرطة بثقلها في أخطبوط الفساد في العراق، وأغلب هذه القوى تنتمي إلى الإطار التنسيقي الذي يقف وراء اختيار السوداني لرئاسة الحكومة.
وبحسب الإحصائيات الصادرة عن المنظمات العالمية المعنية بشؤون النزاهة ومكافحة الفساد المالي والإداري يحتل العراق الصدارة بنسبة تفشي الفساد بين دول العالم على الرغم من وجود الكثير من الدوائر الرقابية التي يفترض أن تعمل جميعها على مراقبة الأداء الحكومي في المجالات المالية والإدارية.
وتشكل المشاريع الوهمية عينة على الفساد المستشري في العراق، وقد كشفت وزارة التخطيط في وقت سابق عن ستة آلاف مشروع تم رصد أموال لتنفيذها دون أن يتحقق ذلك.
ويقول اقتصاديون، إن نسب الفقر والبطالة شهدت ارتفاعا مطردا في العراق لجملة من الأسباب أبرزها الركود الاقتصادي والصراعات السياسية، بالإضافة إلى عدم امتلاك الحكومات السابقة برنامجا وخطة محكمة لمكافحة الفقر والبطالة.
وأشاروا إلى أن أزمة العاطلين عن العمل تحتدم في البلاد حيث وصلت إلى نحو 35 في المئة، بينهم 650 ألفا مسجلون في دائرة الضمان الاجتماعي، وأن الحد الأدنى لراتب العامل 350 ألف دينار فقط (233 دولارا).
ويرى متابعون أن العراق يحتاج إلى إرادة سياسية صلبة لتحقيق الإصلاح المطلوب وهو ما لا يبدو متوفرا في ظل سيطرة منظومة المحاصصة على الحكم في البلاد، لافتين إلى أن محاولات السوداني تحقيق اختراق في عدد من الملفات ولاسيما ملف مكافحة الفساد لا يمكن الرهان عليها كثيرا.
Comments are closed.