“إعلامنا”.. من قلة الخيل

دائماً ما تواجهنا مواقف في هذه الحياة تجعلنا نرى أشخاصاً كانوا بالأمس على قارعة الطريق يتحسرون، لكنهم وصلوا اليوم إلى أماكن ماكان يجب أن يصلوها، فنقول في وصفهم من قلة الخيل شدوا على الحمير السروج، وهذا نفس الشيئ الذي جعلنا نقع اليوم في مشاكل كبيرة ومتراكمة ومستمرة، لنخرج في كل مرة خاسرين معركتنا.

كيف لا؛ ونحن عمدنا إلى إخصاء خيولنا، بعد أن وضعنا على ظهرها السروج لمواجهة أي عدوان بالخيول الأصيلة، ثم قررنا فجأة أن نستمع لما تتفوه به شخصيات تحمل عقول الحمير، فتركنا الخيول وقررنا أن نخوض معاركنا على ظهر نفس الحمير فكانت النتيجة كما تروها اليوم وكل يوم.

فإعلامنا اليوم يضج بعقول الحمير التي لا تفقه شيئاً سوى أنها تنهق ليل نهار لتحجب صهيل الخيول، فتثير النزعات والتخويف والإرهاب الوهمي فقط لتبقى في مناصبها خلف منصات الإعلام تتبجح، وهؤلاء وللأسف يتغذون ويتطفلون على الأزمات، بل أحياناً يعمدون إلى صناعتها أو إلى إثارة النزعات والفتن كي يستمروا في مناصبهم.

وهذا الأمر قد يعتبر أحياناً من الأمور الطبيعية، وذلك لأننا نعيش ضمن معادلة بالأصل هي خاطئة، إذ إن الحكومات اعتمدت في جل قضاياها المصيرية على ربط السياسة بالإعلام، ولم يخطر ببالها ولو للحظة أن السياسة والإعلام ضدان يتوافقان ويلتحمان ويزدهران في الأزمات والحروب والمشاكل، بينما يضمران ويتقلصان ويموتان في حالات السلم والسلام، وهذا لوحده يكفي كي يتفقان، ضمن معادلة سوداء للإبقاء على حالة الاستنفار من خلال إشعال فتنة جديدة كلما خبت واحدة قديمة.

فنحن اليوم نعيش ضمن نهج تغيب فيه قناة تراقب العلاقة التي تربط السياسة بالإعلام، وفي ظل غياب هذه القناة التي تمثل قناة الاتصال الشفافة بين هذين الطرفين، فإن الأنظمة ستقف عاجزة عن التأثير والتحكم، وستكون غير قادرة على أداء وظيفتها على النحو المطلوب، وبالتالي فإن مساعيها نحو تحقيق أهدافها السياسية الكبرى التي ترسمها تبوء حتما بالفشل.

وهنا سأذكر لكم مناسبة هذه المقالة وهذه المقولة التي تتطابق كثيراً مع واقعنا في أن الحمير هي من تحمل السروج بدل الخيول الأصيلة.

ففي زيارة خاصة اتجهت فيها إلى الحبيبة بغداد، وقابلت العديد من الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية، تفاجئت في كل جلسة حوار بالكم الهائل والكبير من المغالطات حول أربيل، وتفاجئت بذات الوقت من الكم الهائل والكبير لمشاعر الحب الحقيقية والاحترام التي تكنها الكثير من الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية لأربيل ولحكومة إقليم كوردستان على وجه التحديد، فكنت هنا بين قطبين متناقضين، الأول وهو المغالطات التي وصلت إلى بغداد عن أربيل؛ والثاني هو كمية الودّ والاحترام والحب من الكثير الكثير لشخصيات تجاه أربيل وتجاة حكومة الإقليم.

لأقف هنا أمام معادلة تشير بوضوح إلى فشل ذريع تتحمله وسائل إعلامنا في نقل الصورة السلبية والخاطئة عن أربيل، وعدم معرفة هذه الوسائل التي تتغذى بملايين الدولارات يومياً المقصد والهدف الذي تحمله كرسائل إلى العالم الخارجي.

إننا اليوم حقيقة أمام معضلة صعبة، واسمحوا لي أن أنعتها بـ”معضلة صناعة الشر”، حيث الكثير الكثير من الشخصيات التي نظن أنها تلعب دوراً مهماً في الوساطة بين أربيل وبغداد تعمد لصناعة الشر لأنها بالأساس تتغذى عليه، وهذا الأمر تتحمله وسائل وإدارات إعلامنا بصورة كلية، فهي اليوم تترنح بعماء وبكم عن دروب الحقيقة، إذ إنها تحولت إلى أداة ابتزاز تقتات على الأزمات لا وبل قد تعمد لصناعتها لتبقى قائمة موهمة الجمهور والناس من حولها أنها تنقل صوت الحقيقة، فالإعلام وللأسف بات ضرورة ملحة لا غنى عنها في حياة الشعوب للاستفادة من التدفق المتواصل للمعلومات والمتزايد يوماً بعد يوم في شتى المجالات وازداد الاهتمام بالعملية الاتصالية أكثر من ذي قبل، حتى أصبحت في عصرنا تدخل في صميم العمل السياسي لا بل باتت من مقومات نجاحه، وأي حكومة أو حزب سياسي صار لا بدل له من مؤسسة رسمية إعلامية تسند ظهره، لكننا بذات الوقت وجدنا أنفسنا مجبرين على قبول كل ما يدور في فلك الإعلام حتى وإن كانت مآربه مشوبة بالفتن وإشعال الأزمات.

وكل هذا يوجب علينا اليوم أن نصنع على أقل تقدير قنوات ومؤسسات مراقبة فعلية، تراقب أداء السياسي وتراقب بذات الوقت أداء المؤسسة الإعلامية، لمنع أي زيادة أو نقصان أو قول أو فعل قد يشعل فتيل أزمة جديدة في وقت صرنا بأمس الحاجة لمرحلة سلام وآمان كي نستمر في رفع الإعمار والبنيان كورقة ضمان وسلام للإنسان.

سعد الهموندي

العراق

Comments are closed.