لندن (عربي times)
صدر قانون البرلمان البريطاني الذي أجاز بناء “غريت ويسترن ريلوي” في سبتمبر من عام 1835. وبحلول عام 1841، اكتمل بناء خط السكة الحديدية البالغ طوله 116 ميلًا، والواصل إلى بريستول، بينما نفق القناة أو نفق المانش (HS1)، الذي تم افتتاحه في عام 2007، كان أول خط جديد لسكة حديدية في بريطانيا منذ أكثر من 100 عام.
أما خط السكة الحديد التالي، الذي يعرف بـ HS2 من لندن إلى برمنغهام، فسوف يستغرق بناؤه قرابة 25 عامًا، من طرح الفكرة إلى الافتتاح، على افتراض المضي قدمًا في تنفيذه.
من الواضح، أنّ خط سكة حديد غريت ويتسرن ريلوي (GWR)، الذي صممه المهندس البريطاني النابغة “إسامبارد كينجدم برونيل”، يختلف في نواح كثيرة عن مشروع خط سكة حديد (HS2)، فالبلاد كانت أقل اكتظاظًا على نحو كبير، وعدد السكان أقل، والتنظيم معدوم، بالإضافة إلى رخص الأيدي العاملة إثر تفريغ الريف البريطاني من سكانه في أعقاب الثورة الصناعية.
رغم ذلك، واجه “برونيل” بعض المصاعب وقد تمثلت في اعتراضات ملاك الأراضي على طول الطريق خط السكة الحديد، إضافة إلى معارضة شركات النقل المنافسة في ذلك الوقت.
مثل (HS2)، زادت الأنفاق والجسور كثيرًا من قيمة الفاتورة التي وصلت إلى 6.5 مليون جنيه إسترليني في ذلك الوقت، أي ضعف الموازنة المخصصة للمشروع. فضلًا عن مقتل أكثر من 100 من أصل 4000 عامل شاركوا في عملية البناء.
مقارنة الواقع الحالي مع الأحداث التي وقعت قبل 150 عامًا، ربما لن تكون مجدية في فهم الطريقة التي يتم التعامل بها مع مشروعات البنى التحتية في يومنا هذا. ولكن بالنظر إلى الإخفاقات التي حدثت في مشروع خط سكة الحديد عالية السرعة، يبرز اختلافان واضحان: أن خط سكة (GWR)، الذي دشنه “برونيل” تم تمويله بالكامل من القطاع الخاص. بينما لو تم تمويل خط سكة حديد (HS2) من خلال إصدار السندات، بمشاركة مستثمرين من القطاع الخاص وصناديق التقاعد، فمن المؤكد أنه سيكون هناك رقابة صارمة أكثر على التكاليف.
من جهته، رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك لا يريد الذهاب إلى مؤتمر المحافظين في مانشستر هذا الأسبوع وقد أصدر للتو قرارًا بإلغاء جزء رئيس من خط السكك الحديدية فائق السرعة “HS2″، لذلك من المتوقع أن يؤجل “سوناك” اتخاذ أي قرارات نهائية تتعلق بالمستقبل إلى حين بيان الخريف الرسمي، الذي سيصدر في الأول من نوفمبر القادم.
ويقال إنّ رئيس الوزراء البريطاني يشعر بالفزع من التكاليف المتصاعدة للمشروع، المتوقع أن تصل إلى 100 مليار جنيه إسترليني. في الحقيقة لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئًا له، فقد كان من الواضح منذ سنوات أنّ التكاليف المالية للمشروع ستخرج عن السيطرة.
لا يقتصر الأمر فقط على خط سكة حديد (HS2)، يبدو أن بريطانيا عديمة الجدوى في تسليم مشاريع البنية الأساسية الكبرى في الوقت المحدد، وفي حدود الميزانية، أو ما يقرب من التكاليف المتوقعة.
ولعلّ السؤال الذي ينبغي أن يسأله “سوناك” لماذا تكون مشروعات البنية التحتية في بريطانيا باهظة الثمن للغاية؟فقد بدأ مشروع سكة حديد (HS2 ) بمبلغ 32.7 مليار جنيه إسترليني، وهو ما بدا مكلفًا بدرجة كافية. علما أنّ خطوط السكك الحديدية عالية السرعة، يتم بناؤها في فرنسا واليابان وإسبانيا بعُشر التكلفة المتوقعة لمشروع HS2. حتى في حال الأخذ بعين الاعتبار الكثافة السكانية الكبرى في المملكة المتحدة، فإن هذا الفرق في التكلفة، هو أمر غير عادي وجدير بالاهتمام.
توصلت دراسة أجراها مركز أبحاث “بريتن ريميد” إلى أنّ المملكة المتحدة تنفق على بناء مشروعات السكك الحديدية والطرق ثمانية أضعاف ما ينفقه جيرانها الأوروبيون.
يقول مدير السياسة في المركز، سام دوميتريو، إنّ أحد الأسباب يكمن في إعطاء الكثير من القوة والتمكين للناس الذين يعارضون المشروعات وهذا ما يقود في النهاية إلى إنفاق المزيد من الأموال الطائلة عليها. سبب ثانٍ يكمن في عدم استخدام التصميمات الجاهزة بالقدر اللازم.
الدراسة تُظهر بناء فرنسا21 نظام (الترام) جديدًا خلال الخمسة والعشرين عامًا الماضية، مقارنة بحفنة فقط من أنظمة الترام التي بنتها بريطانيا.
من بين التفسيرات التي يتم تقديمها للتفاوت الكبير بين تكاليف إنشاء مشروعات البنية التحتية في بريطانيا ونظيرتها الأوروبية ما يلي: قلة الاستثمار في إصلاح وتجديد البنية التحتية القديمة، نقص المهندسين، التكلفة المرتفعة لإقامة مشروعات جديدة، ارتفاع تكلفة الأراضي التي تبدو قيمتها مرتفعة مقارنة بالأراضي في الدول الأوروبية الاخرى، بالإضافة إلى التعويضات السخية للمتضررين؛ وسوء إدارة المشتريات والعقود. أيضًا، عدم الرغبة في التعلم من تجارب الآخرين الجيدة، والاستفادة من الأفكار الخارجية البناءة.
نقلا عن/ صحيفة “ذا ديلي تلغراف” البريطانية
Comments are closed.