فتح أبوابها مجلس الشعرباف الثقافي .. محطات من حياة الشيخ احمد الوائلي 

حسنا فعل المحاضر الشيخ سليم الجبوري ، الذي ألقى محاضرة عن الشيخ احمد الوائلي عميد المنبر الحسيني بعنوان ( محطات مضيئة في مسيرة الشيخ احمد الوائلي ) ، بأن جعل محاضرته التي ألقاها بمجلس الشعرباف الثقافي ، يوم الجمعة الماضية ٢٢ / ٩ / ٢٠٢٣ ، على وفق الوقفات والمحطات من حياة الوائلي ، ما اتاح للمستمع والمتابع أن يتلقف المعلومة التي يذكرها المحاضر بامتاع وترحاب وذلك لمنزلة الوائلي الكبيرة عند الجمهور، الذي رافقه منذ انطلاقته ورحلته مع المنبر الحسيني ..
وأصبحت له المكانة المرموقة في المجتمعات الإسلامية في البلدان الإسلامية ، وذلك لخوضه في غمار أهم القضايا الإسلامية ، لاسيما في القضية الحسينية ..
وتميزت أحاديثه بالواقعية والوضوح والصدق ، ولم يتعب المستمع والمتابع بمسائل غامضة ، طالها الالتباس والتشكيك ..
معتمدا على جراءة وشجاعة في الطرح ، والأمانة العلمية ..
علاوة عن صوته وتمكنه من المنبر ، وسحر القاؤه ، وثقافته الواسعة ، وحفظه للكتاب العزيز ، الذي كان مصدره الأساس في دفوعاته وسجالاته المنبرية ، واستشهاداته الدقيقة .. معززة بمؤهل علمي عال ، وهي شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة ، منحتها له لجنة مناقشة من كبار أدباء ومفكري مصر . .
لقد ابتدأ المحاضر الشيخ الجبوري من محطة مهمة بحياة الوائلي ، والتي شكلت منعطفا كبيرا بحياته ، وهي حادثة المطار ، حيث جاء من إحدى سفرياته ، وحينها عامله أحد المتغطرسين من ضباط المطار ، بعدم ذوق واحترام ،، وأخذ جوازه وتركه على قارعة الانتظار المقرف ، حتى ظهر أحد الضباط المحبين للشيخ من مدينة الناصرية وبرتبة عقيد ( ويبدو أنه كان شجاعا ، حيث ذهب لذلك الضابط المتجاوز وغير المؤدب وجلب منه الجواز ، وأخبر الشيخ أن يتوارى عن الأنظار أن استطاع لوجود من يتربص له ،، وياحبذا لو نتمكن من معرفة اسم هذا الضابط الشهم ) ، ليخرج الشيخ من المطار حيث كانت تنتظره عائلته . . ولكنه لم يمكث طويلا ، فبعد ثلاثة أيام غادر البلاد إلى الكويت برا ،، ليفارق أهله وبلاده حتى عام ٢٠٠٣ حين سقط النظام الدكتاتوري ، ليعود بعد عشرات السنين ، ولكن في حالة صحية متعبة بعد شوق جارف وعارم لرؤيته وتنسم هوائه العذب ونسيمه العليل وعطره الزكي وثماره الطيبة ، وشذى أرضه الطهور . حيث لم تدم إقامته أكثر من عشرة أيام ، ليغادرنا إلى الحياة الآخرة ، في ١٤ تموز ٢٠٠٣
ومن المفارقة أن يكون للرقم ١٤ تموز أثرا في حياته ، حيث في الذكرى الأولى لثورة ١٤ تموز ، زار الزعيم عبد الكريم قاسم مهنئا بذكرى الثورة ..
لم يمهله المرض طويلا ، ولم يتاح له زيارة مراقد الأمة عليهم السلام وهو حي ،، ولكنه زار المراقد الطاهرة بعد مماته حيث جرى له تشييع مليوني ، ابتدأ من مرقد الإمامين الكاظمين الجوادين ، ثم في كربلاء بمرقدي الإمامين الحسين والعباس عليهما السلام ..
والى مرقد امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ليستقر في قبره بمسجد السهلة ..
لقد عانى في غربته كثيرا ، رغم تنقله بين البلدان الإسلامية ، ولم تسلم عائلته من بطش الأجهزة القمعية ، فاعتقل نجله الأكبر محمد حسين والصقت به تهمة الانتماء لحزب الدعوة ، واستشهد تحت التعذيب يرحمه الله ..
ومع ابتعاده جسدا عن بلاده ، غير أن صوته بقي هادرا في انحاءه بالحق والعدل ،، مذ كان يلقي محاضراته ويقيم مجالسه في جامع الخلاني في السبعينيات ، ووقتها تزدحم الساحة بالوافدين من كل مكان ،
ما أزعج النظام ، ومنعها لاحقا . .
كنا نفترش الأرض إذ لم تكفي ” الكراسي ” المعدة لجلوس الجمهور .. وكانت محاضرته رغم أنها دينية فكرية ، لكنها فسرت بأنها سياسية وتنتقد النظام ..
وكذلك من خلال التسجيلات الصوتية ، ومن إذاعة الأحواز التي كانت تبث أحاديثه وخطاباته ..
تناول الشيخ المحاضر محطات أخرى من حياته ومن أبرزها عدم ذهابه لإيران خوفا على عائلته التي بقيت في العراق ،
كان معتدلا في خطابه وغير طائفي ، وقد انتقد الرئيس عبد السلام عارف وطائفيته بقصيدته التي ألقاها بمؤتمر الأدباء العرب الذي عقد ببغداد عام ١٩٦٦ ..
لقد تطيب مجلس الشعرباف الثقافي بذكرى هذا الرجل الذي أحبه العراقيون سنة وشيعة واطياف أخرى ، لوطنيته وغيرته وخدمته للحقيقة ، ودوره المسؤول في توجيه المجتمع ، ووقوفه بصلابة بمواجهة الظواهر الدخيلة على مجتمعنا ، والتي تبغي الإساءة والتشويه للدين الحنيف ،، وتتعارض مع قيمنا ومثلنا واعرافنا وتقاليدنا . .
وستسجل تلك الأمسية والجلسة نقطة ساطعة بتاريخ المجلس العريق ، ، ولعل من محاسن الصدف أن يكون أحد معالجي الشيخ عميد العائلة الشعربافية الدكتور حكمت الشعرباف ..
نحيي المبادرة الطيبة للمجلس لإحياء واستذكار حياة ومواقف الشيخ احمد الوائلي ،، والتي عززتها وأثرتها مداخلات الحضور الكريم ..
قدس سر الشيخ الدكتور الوائلي ، واسكنه الله فسيح جنانه .

عبد الحميد الكناني

كاتب واعلامي

العراق

Comments are closed.