أحيانا يتعيّن الاعتراف بأن للوقاحة دورها في وخز النفوس التي فقدت الحياء فلعلها تعيد اليها ماء الوجه المفقود .. كما كان متوقعا نفى مستشار الامن القومي الامريكي جيك سوليفان أن يكون الرئيس بايدن يدرس فرض شروط على المساعدات لإسرائيل إذا غزت رفح… وبذلك تصبح مهمة المسؤول الامريكي محددة في نفي ما يصرح به الرئيس الامريكي عن وعي او عن غير وعي بشأن هدنة قريبة قبل رمضان ليتضح سريعا انها لن تاتي او كذلك بشأن اعادة النظر في تزويد كيان الاحتلال بالسلاح في حال تجاوز الخطوط الحمراء و الاقدام على اجتياح رفح او غيرها من التصريحات التي غالبا ما يعود مستشارو الرئيس لتفيها والتنصل منها..
والحقيقة انه لا يمكن الا لساذج او واهم ان يتوقع مثل هذه الخطوة من جانب الرئيس بايدن الذي ذهب الى تل ابيب ليعلن انه لو لم تكون اسرائيل موجودة لوجدناها و الذي لا يتوانى عن تذكيرنا بانه من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها .. وقاحة لا حد لها هي الصفة التي تليق بالموقف الامريكي الرسمي منذ بداية الحرب على غزة على خلفية عملية طوفان الاقصى.. وهي وقاحة تعكس الدناءة والاستخفاف بحياة المدنيين و بما يجري من ابادة جماعية في حق النساء والاطفال و الشيوخ ما كان لها ان تحدث لولا سخاء مصانع السلاح الامريكي التي تمد هذا الكيان بكل انواع الاسلحة الفتاكة التي حكمت على اهالي غزة بالعودة الى العصور البدائية و العيش بين الخيم و الاقتتات من الاعشاب واعلاف الحيوانات والطهي على الحطب.
وقناعتنا أن الحديث عن خطوط حمراء امريكية امام اسرائيل جزء من الصناعة الاعلامية الامريكية الدعائية وما تخطط له و تروجه اللوبيات اليهودية المتنفذة في مؤسسات صنع القرار الامريكي بهدف تحويل الانظار عن المجزرة الادمية الحاصلة في غزة منذ مائة ستون يوما دون انقطاع .. وسيكون من المهم التذكير انه حتى خلال الهدنة الاولى المؤقتة لتبادل الاسرى لم تتوقف الة القتل الاسرائيلي عن حصد الارواح وزرع الموت في كل مكان …
لا خلاف ان هناك اليوم توجه نحو التطبيع مع ما يحدث من ابادة في غزة… وهو ما تعكسه مواقف القوى الكبرى التي ما انفكت تبحث عن المنافذ التي تسمح لاسرائيل بمواصلة الفظاعات التي ترتكبها وتوفير الغطاء العسكري و السياسي و الاعلامي الذي تحتاجه للمضي قدما في تنفيذ هذه المخططات المفضوحة التي يراها كل شعوب العالم و لا تراها الانظمة و الحكومات الحليفة و الداعمة لكيان الاحتلال العنصري البغيض.
من الواضح ان توجهات رئيس حكومة كيان الاحتلال تتجه الى الرهان على عنصر الزمن للتطبيع مع المشاهد المروعة القادمة من غزة التي تعيش على وقع جريمة ابادة جماعية باجماع خبراء القانون و السياسة وهيات الامم المتحدة والهيات الدولية الانسانية و غيرها ايضا من التحقيقات الصحفية والشهادات الموثقة .. وهناك مؤشرات كثيرة تعزز القناعة بان ناتنياهو و معه المجلس الحربي يراهنان على ترويض المجتمع الدولي بعد اختبار ردود الفعل واقصى ما يمكن ان تذهب اليه الحكومات الغربية و الحليفة مع اسرائيل او غيرها من الحكومات ..و من ابرز و اهم هذه المؤشرات ان مختلف العناوين الاخبارية عن غزة لا تختلف في شيء عن اليوم السابق باستثناء تلك الاشارة حول ارتفاع عدد الضحايا المستهدفين فجر كل يوم مع استمرار القصف العسكري الهمجي ..بالتزامن مع ذلك فان المساحة الاعلامية المخصصة لنقل الاخبار المتواترة عن حرب الابادة غير المسبوقة في تاريخ البشرية تتجه بدورها للتقلص يوما بعد يوم كل ذلك فيما يستمر منع حكومة ناتنياهو للصحافة الدولية بكل اصنافها من العبور الى داخل غزة وكل ذلك ايضا فيما تسجل الحرب موت اكثر من مائة و ثلاثين صحفيا برصاص الاحتلال في عملية مدروسة لطمس الحقائق و ترهيب الصحفيين في غزة و هم الذين كانوا و مازالوا أعين العالم و بوصلته على ما يخفى من حقائق ومن جرائم وحشية و من انتهاكات ترتكب يوميا في حق البشر وفي حق المستشفيات والمدارس والجامعات و سيارات الاسعاف والمساجد و الكنائس البيوت و في المؤسسات الاممية والانسانية..
اليوم سيكون اليوم الرابع من شهر رمضان و قناعتنا انه لا شيء سيتغير خلال الساعات القادمة و ان الة الحرب الاسرائيلية تبقى متعطشة للدم و لنشر مزيد الموت و الخراب و الدمار و هي بذلك تتجه الى ابادة جيل باكمله من الاطفال بعد ان تجاوز عدد الاطفال الذين قتلوا خلال أربعة اشهر من الحرب في غزة عدد الأطفال الذين قتلوا على مدى أربعة أعوام في جميع النزاعات في مختلف انحاء العالم… نعم غزة اليوم مقبرة الاطفال والنساء …انها وقاحة بلا حدود .
لاسيا العتروس
كاتبة تونسية
Comments are closed.