ما علاقة ترامب بانتخابات كندا ؟

واشنطن (عربي times)

ما كان يُنظر إليه في لحظة ما على أنه مزحة عابرة من الرئيس المنتخب حينها دونالد ترامب تجاه كندا يتحول اليوم إلى جوهر السياسات في الدولة الجارة.

والأكثر من ذلك يحول ذلك التحالف التاريخي المقدس والجوار الجغرافي الأزلي إلى نقطة استفهام كبيرة في علاقات واشنطن وأوتاوا، إضافة إلى أنه فتح الطريق واسعا أمام رسم سياسات الحاضر والمستقبل في كندا بناء على الموقف من الدعوات التي تكاد تكون يومية من قبل الرئيس ترامب إلى جعل الدولة الجارة الولاية 51 وكذلك مخاطبة رئيس حكومتها بحاكم الولاية، بدلا من رئيس وزراء الدولة الجارة.

في واحدة من أكبر مظاهر الانعكاسات المتتالية لهذه الأزمة السياسية والاقتصادية المتصاعدة بين دولتين كان ينظر إلى علاقتهما على أنها تقع ضمن ذلك السياق المقدس في طبيعة عناصره التاريخية السياسية والأمنية وكذلك أحكام الجغرافيا التي تجعل من النظرة بين البلدين مشتركة إلى أن المصلحة الأمنية لكليهما واحدة وثابتة إضافة إلى كونها دائمة وغير قابلة للتغيير أو التجزئة.

في واحدة من هذه التطورات المتسارعة إعلان رئيس الوزراء الكندي عن تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة وحدد لها تاريخ 28 أبريل المقبل موعدا بحجة أن أية حكومة تحكم  البلاد في المرحلة المقبلة ستكون بحاجة إلى تفويض كامل من الكنديين لمواجهة تهديدات ترامب بضم كندا، وإنهاء فكرة التعامل معها على أنها دولة جارة ومستقلة.

رئيس  الوزراء الكندي مارك كارني الذي يخوض حملة الخمسة أسابيع الانتخابية في مواجهة منافسه المباشر زعيم المحافظين بيير بيوليفر قال في هذه المناسبة “نحن نواجه أكبر أزمة سياسية في حياتنا بسبب الحرب التجارية غير المبررة التي يخوضها ترامب ضد بلادنا وتهديداته لسيادتنا فهو يدعي أن كندا ليست دولة  حقيقية.. إنه يريد أن يكسرنا حتى تستطيع أمريكا الاستيلاء علينا ولن نسمح بذلك”.

كارني ورغم الوقت القصير الذي قضاه حتى الآن في إدارة المشهد السياسي نجح في تقديم خطاب يرفع من شعور الوطنية بين الكنديين والاعتزاز بانتمائهم إلى دولتهم المستقلة، مضيفا أن ذلك لمواجهة سلسلة قرارات الرسوم الجمركية الصادرة من ترامب بسلسلة قرارات مضادة؛ مما جعل  العلاقة بين الدولتين الجارتين  تعيش واحدة من أسوأ فتراتها التاريخية.

في مقابل ذلك، لا يتوانى الرئيس ترامب بشكل شبه يومي عن  تجديد التأكيد على موقفه بأنه لا يرى في الجارة كندا، دولة مستقلة وأن المصلحة تقضي بأن تنضم الدولة الجارة إلى الولايات المتحدة؛  لأن ذلك سيعفي الولايات المتحدة من صرف أموال طائلة لتوفير الحماية الأمنية لدولة جارة.

تصريحات ترامب أثارت مشاعر الاستياء بين الكنديين  ورفعت من مستوى العداء  للجيران الأمريكيين إلى معدلات تاريخية وقياسية، وهو وضع خدم بقوة حظوظ الحزب الليبيرالي، وهو الذي كان قبل بداية هذه الأزمة مهددا بخسارته الأغلبية لكن هذه الأزمة بتفاصيلها اليومية أعادت إحياء حظوظ الحزب الحاكم في البقاء في الحكم لولاية جديدة.

ويقول كارني في هذا السياق وفي مطلع حملته الانتخابية للمحافظة على حظوظ حزبه في الاستمرار في الحكم، “إنهم يريدون مواردنا ومياهنا ويريدون أرضنا ويريدون بلدنا وذلك أمر لن يحدث أبدا”.

وفي ظل هذا التطور اللافت سيكون أمام  الطبقة السياسية في كندا بلونيها المحافظ والليبرالي وغيرهما من التشكيلات السياسية القائمة في البلاد فترة 35 يوما لمخاطبة الكنديين، بما يتناسب ورغبتهم في المحافظة على مصالحهم التجارية واستقلال بلادهم أمام تهديدات  الجار الأقرب من خلال حصد الأغلبية في مجلس  النواب المشكل من 343 عضوا.

انتخابات البرلمان الكندية عادة ما تكون هي المفتاح أمام الحزب الذي يفوز بالأغلبية من المقاعد، للفوز بمنصب رئيس الحكومة، ومن ثمة تشكيل الحكومة التي ستدير البلاد في المرحلة المقبلة.

وفي ظل الوضع القائم لايبدو أن هناك تغييرًا جوهريًا في المشهد السياسي الكندي، حيث لا تزال المنافسة التقليدية بين الليبراليين والمحافظين هي السائدة  في هذه الانتخابات.

رهانات الليبراليين تقوم على  تقديم الخطاب المعادي لتصريحات وتوجهات الرئيس ترامب وكذلك رفع منسوب الشعور الوطني بين الكنديين، مستغلين في ذلك الفترة القصيرة المتاحة  لرئيس الوزراء ماك كارني  في الوقت الحاضر، وفي فترة الأسابيع المتبقية إلى حين حلول موعد الانتخابات أواخر الشهر المقبل وهو ما يعطي حتى الآن على الأقل إحساسا مريحا  لدى قيادات الحزب بأن  التوجه الشعبي عاد مجددا إلى الاتجاه الذي يظهر إمكانية استمرارهم في الحكم لفترة جديدة.

قبل وقت قصير كان الرهان الأكبر بين المحافظين هو الدفع في اتجاه جعل هذه الانتخابات بمثابة استفتاء علني على سياسات جاستن تيودور الذي عانى من أزمات تراجع شعبيته في الشهور الأخيرة أمام عوامل الغلاء والهجرة.

كل هذه القضايا، أمام التطورات المتسارعة في العلاقة مع الجارة واشنطن، تبدو أنها باتت تفصيلية أمام القضية الكبرى التي يراها الكنديون أنها مركزية ومفصلية في انتخابات نيسان المقبل ألا وهي من سيكون من بين  مرشحي الحزبين أقدر على مواجهة سياسات ترامب؟

هذا التوجه  يراهن عليه كارني بكل الوضوح الممكن بإعلانه أن هذه الانتخابات ستكون بين خيار ترامب كندي أو حكومة توحد جميع الكنديين أمام هذا الهجوم المتجدد من قبل الرئيس الأمريكي.

الأزمة بين أوتاوا وواشنطن لا تقتصر فقط على تلك السلسلة الطويلة من التصريحات الصادرة من الرئيس ترامب، ووزيره لتطوير الأداء الحكومي إيلون ماسك، ولكنها ظهرت في الأيام الأخيرة، وبعد أخد ورد  بين الجانبين مفاوضات واتفاقات مؤقتة في صورة حرب الرسوم الجمركية والتهديدات المتبادلة بينهما.

ترامب كان قد فرض نسبة 25 % على الحديد والألمنيوم الكندي. ويقول عن ذلك إنها مجرد خطة أولى قد تفضي إلى فرض المزيد من الرسوم على المنتجات الكندية جميعها وكذلك على شركاء الولايات المتحدة  التجاريين جميعهم بدءًا من  الثاني من نيسان المقبل، وهو مؤشر بوضوح  إلى أن العلاقة بين الحليفين التاريخيين قد تشهد المزيد من التوتر حتى قبل موعد الانتخابات المبكرة في كندا نهاية الشهر المقبل.

Comments are closed.