داعش في خدمة اليمين العنصري المتطرف في أوروبا

 

المكسب الكبير الذي حققه حزب “الجبهة الوطنية” اليمني العنصري والشعبوي المتطرف في فرنسا، في انتخابات المجالس الإقليمية، لم يكن ليتحقق لولا إرهاب تنظيم (داعش)، الذي ضرب قلب العاصمة الفرنسية باريس الشهر الماضي، والخاسر الأكبر جراء صعود اليمين الفرنسي المتطرف هم المسلمون الفرنسيون والأوروبيون خاصة، وكل المسلمين في العالم عموماً.

فرض انتصار حزب “الجبهة الوطنية”الفرنسي، اليميني والشعبوي المتطرف، في انتخابات المجالس الإقليمية واقعاً سياسياً جديداً في فرنسا، يعدُّ تحولاً غير مسبوق في النظام السياسي الفرنسي، وضع اليمين العنصري المتطرف للمرة الأولى في الصدارة، بـ (28.1) مقابل حصول حزب “الجمهوريين” اليميني المعارض، الذي حلّ ثانياً، على (27.5 في المئة)، والحزب “الاشتراكي” الحاكم على (23.5 في المئة). في 6 مناطق من أصل 13 منطقة. وبانتظار ما ستسفر عنه الجولة الثانية من الانتخابات يمكن القول إن فرص اليمين الفرنسي العنصري المتطرف في تعزيز مواقعه كبيرة، وبصرف النظر عن النسبة التي سيحصل عليها في الجولة الثانية، استطاع بالفعل أن يفرض نفسه على الخارطة السياسية الفرنسية.

وفتحت هذه النتيجة شهية اليمين العنصري والشعبوي المتطرف في فرنسا، بإعلانه عن أنه دخل مرحلة التحضير لاستلام زعيمته، مارين لوبين، السلطة كونها أصبحت رئيسه الحزب الأول، ورغم أنه من المبكر أخذ هذا الإعلان على محمل الجد، إلا أنه يكشف عن مدى مراهنة اليمين العنصري والشعبوي المتطرف على استغلال استياء الشعب الفرنسي من العمليات الإرهابية البشعة، التي قام بها عناصر ينتمون لتنظيم (داعش)، في العاصمة باريس، وراح ضحيتها 130 قتيلاً وعشرات الجرحى.

يشار هنا إلى أن اليمين العنصري والشعبوي المتطرف سبق له أن وصل إلى مركز متقدم في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2005، حيث خاض الرئيس السابق جاك شيراك الانتخابات الدورة الثانية من الانتخابات في مواجهة الرئيس السابق لـ”الجبهة الوطنية”، جان ماري لوبن، بعد خروج المرشح الاشتراكي آنذاك ليونيل جوسبان مهزوماً في الجولة الأولى من الانتخابات.

للمفارقة، لقد فاز حزب “الجبهة الوطنية” العنصري والشعبوي المتطرف، في انتخابات يوم الأحد الماضي، بفضل تركيز خطابه على خطر الإرهاب، وربطه بمواطنين مسلمين فرنسيين من أصول مهاجرة، وتعميم الخطر المدعى ليشمل كل المسلمين في دول أوروبا الغربية، واتهام المسلمين عموماً بدعم الإرهاب. وبذلك فإن حزب “الجبهة الوطنية” مدين لتنظيم (داعش) الإرهابي بإعطائه سلاحاً إعلامياً ضد الإسلام والمسلمين، ولولا المجزرة الدموية البشعة، التي قام بها عناصر من (داعش) في باريس، ما كان اليمين العنصري والشعبوي يحلم بأن يحقق اختراقاً تاريخياً في المرحلة الأولى من انتخابات مجالس الأقاليم.

الوجه الآخر من المفارقة إدعاء تنظيم (داعش) الإرهابي المتطرف أنه (يدافع عن حقوق المسلمين)، ويريد (الانتقام من أعدائهم)، وإقامة دولة خلافة للنهوض بأوضاعهم، بينما الحقائق عكس ذلك تماماً، فالجرائم التي يرتكبها (داعش) تسيء للإسلام والمسلمين، أكثر من أي إساءة يمكن أن يقدم عليها عنصريون وشعبيون كارهون للمسلمين. كما أن  غالبية ضحايا جرائم (داعش) هم من المسلمين، حيث قَتَلَ الدواعش آلاف الأبرياء في العراق وسورية وليبيا، وطاولت عملياتهم الإرهابية أيضاً اليمن وتونس ولبنان ومصر والسعودية والكويت..الخ، وكلها تصب إلى جانب جرائمه الأخرى، مثل الجريمة الأخيرة في باريس، في الدعاية المضادة للعقيدة الإسلامية، والهادفة إلى تشويهها، وتصب أيضاً في خانة إثارة مشاعر كراهية ضد المسلمين، لاسيما في البلدان الأوروبية الغربية.

الأنكى من ذلك، تنظيم (داعش) المتطرف، والتنظيمات والجماعات التي على شاكلته، هو المستفيد الأول من صعود اليمين العنصري والشعبوي المتطرف في فرنسا، وربما لاحقاً في العديد من بلدان أوروبا الغربية، فمجموعة الشعارات التي يرفعها اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا، والبرامج التي يعمل عليها، تثير مخاوف المواطنين المسلمين في فرنسا والبلدان الأوروبية الغربية الأخرى، وتعرقل عملية اندماج المسلمين في مجتمعاتهم، في البلدان الأوروبية الغربية التي يحملون جنسيتها، ما من شأنه إثارة مشاعر الإحباط والخوف حيال المستقبل لدى المواطنين المسلمين في تلك البلدان، مع ما يقود إليه هذا من وقوع العديدين منهم، وخاصة من فئة الشباب، في براثن التطرف والإرهاب والتعصب الأعمى..

وعليه؛ إرهاب تنظيم (دعش) المتطرف يخدم اليمين العنصري والشعبوي في أوروبا، الذي يخدم بدوره تنظيم (داعش) والتنظيمات التي على شاكلته، ودروس التاريخ قدمت عشرات الأمثلة على هذه الظاهرة، التي تتكرر اليوم بثمن مأساوي سيدفعه المسلمون في المقام الأول.

عامر راشد / صحفي فلسطيني

Comments are closed.