اعتذار ماكرون “للحركيين” تعمق الازمة الفرنسية الجزائرية

الجزائر (عربي times)

اعتبر محللون يتابعون الشأن الجزائري، اليوم ، أن اعتذار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من ”الحركيين الجزائريين“، ينذر بتعميق الأزمة مع الجزائر، التي تعتبر  هؤلاء المحاربين الذين قاتلوا ضدها في حرب التحرير ”عملاء وخونة“.

وطلب ماكرون، مساء الثلاثاء، الاعتذار والصفح من الحركيين، الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي في معركة التحرير، متعهدًا بتسوية ملفهم، ما شكل موقفًا رسميًا غير مسبوق ذهب فيه إلى أبعد بكثير من أسلافه، بينما يتوقع أن يؤثر على العلاقات الفرنسية الجزائرية التي تمر بحالة من الفتور، وقد يؤثر على مستوى التعاون فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وفق متابعين.

تعميق لـ“أزمة الذاكرة“

وبحسب محللين، يذهب الإعلان الفرنسي بدلالاته السياسية والتاريخية وبتوقيت إصداره عكس مسار تسوية ملف الذاكرة ومطالب الاعتذار عن فظاعات الاستعمار التي تتمسك بها الجزائر، وهو ما يؤثر حتمًا على جهود سدّ الفجوة في العلاقات الثنائية المتوترة.

وعقب الخطوة التي أقدم عليها ماكرون في مراسم تكريم رسمية للحركيين، قالت الرئاسة الجزائرية في بيان مقتضب إن ”الرئيس الفرنسي اتصل هاتفيًا بنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، وتطرقا من خلال هذه المكالمة إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية وقضايا إقليمية، لاسيما الوضع في ليبيا ومنطقة الساحل“، دون أي إشارة إلى ملف الحركيين، والخطوة الفرنسية المثيرة للجدل في مواقيتها ومضامينها.

ووفق محللين، يعكس بيان الرئاسة الجزائرية بالفعل، فتورًا في التعاطي مع الشريك الاقتصادي الفرنسي الذي تجمعه بالجزائر ملفات أمنية كبيرة، مع عثرات القوات الفرنسية في منطقة الساحل، وخطوات إعادة الانتشار العسكري في المنطقة المضطربة أمنيًا، بفعل تنامي نشاطات الجماعات الإرهابية.

وقال المحلل السياسي الجزائري، صابر البليدي،  إن ”ملف الحركيين وهم الفئة الجزائرية التي حاربت إلى جانب الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير (1954- 1962)، يبقى أحد أهم ملفات المساومة السياسية والدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، في إطار أزمة الذاكرة والتاريخ التي تخيم على علاقات البلدين منذ استقلال الجزائر“.

واعتبر البليدي، أن ”الالتفاتة المهمة للرئيس الفرنسي تجاه تلك الفئة، هي شأن فرنسي صرف، إلا أنها تنطوي على استفزاز غير مباشر للطرف الجزائري، باعتبار أن الحركيين هم أيضًا جزء من جريمة الاستعمار في الجزائر، وارتكبوا فظاعات بحق مواطنيهم بإيعاز وحماية من طرف الجيش الفرنسي“، وفق تعبيره.

حسابات انتخابية

وبحسب البليدي، فإن ”المقاربة التي اعتمدها الرئيس الفرنسي في التعاطي مع هذا الملف شديد الحساسية بالنسبة للجزائر، تبدو موجهة أساسًا إلى ترتيبات داخلية وحسابات انتخابية لكسب صوت الناخب الحركي بغض النظر عن تداعيات القرار على العلاقات الفرنسية الجزائرية“.

ويقول البليدي ”للرئيس الفرنسي حساباته السياسية الداخلية خاصة أن الفئة المذكورة تمثل وعاء انتخابيًا في مختلف الاستحقاقات الداخلية كما يمثل الاعتراف خطوة على قدر كبير من الجرأة في استفزاز غير مباشر للجزائر وفرض مقاربة باريس في تسوية ملف التاريخ والذاكرة المشتركة مع الجزائريين“.

وأضاف أن ”هذه التسوية (ملف الذاكرة) متعثرة إلى حد الآن بسبب عدم تحقيق توافق بين الطرفين حول الملف، حيث تعتمد باريس على تقرير المؤرخ والمستشار بنجامين ستورا وشرعت في تنفيذه، بينما نأت الجزائر بنفسها عن مضمونه واعتبرته شأنًا لا يعينها لأنها لم تستشر بشأنه، لاسيما أنه ساوى بين الجلاد والضحية، بحسب تصريح المستشار الرئاسي المكلف بملف الذاكرة عبدالمجيد شيخي“.

ورجح المحلل السياسي الجزائري أن ”باريس تريد تقديم تنازلات معزولة كالاعتراف بجريمة الجيش الفرنسي في اغتيال المناضل موريس أودان، والمحامي والحقوقي على بومنجل، وإقامة يوم لضحايا نهر السين، ونصب تمثال لعبد القادر الجزائري، وهو ما لم يرضِ الجزائريين لأنه لا يعالج الظاهرة الاستعمارية في المجمل، ولا يعترف بها أو يعتذر عنها، وفوق ذلك يكرم فئة الحركيين التي تبقى في نظرهم مجموعة من الخونة والعملاء“.

ويعتبر البليدي أن ”التدابير الاجتماعية والتاريخية التي أقرها الرئيس ماكرون تجاه الحركيين بما في ذلك طلب الصفح، هو اعتراف رسمي غير مسبوق لفرنسا الرسمية بالتقصير الذي طال هؤلاء من طرفها وهو مؤشر على أن باريس تريد ترتيب أوراق الذاكرة والتاريخ داخليًا وخارجيًا وفق مقاربتها، بعيدًا عن رأي الشريك الأول في الملف وهو الجزائر“.

فتور العلاقات

وأضاف أن ”العلاقات بين البلدين تمر بحالة فتور ملحوظ منذ الإعلان عن تأجيل زيارة رئيس الوزراء الفرنسي للجزائر خلال الأشهر الماضية، بسبب ما أسمته حينها بعدم احترام تقاليد البرتوكول والندية الدبلوماسية ”، مرجحًا أن يكون ”هذا المستجد ورقة إضافية في توتير العلاقات بين الجزائر وفرنسا لأنه يكرس تمسك باريس بأذرعها الاستعمارية حتى ولو كان ينظر إليها في الجزائر بعين الخيانة والعمالة ”، وفق تعبيره

ومن جانبه، رأى المحلل السياسي المهتم بالشأن الجزائري ماجد البرهومي، أن الخطاب الذي توجه به ماكرون إلى الحركيين ”لا يخلو من اعتبارات انتخابية، حيث يراهن الرئيس على هذه الفئة في الاستحقاق الانتخابي الذي ينتظره العام المقبل، لكنّ تحمّس الرئيس الفرنسي، وسخاءه المبالغ فيه، لم يأخذا في الاعتبار على ما يبدو مراعاة الطرف الجزائري في هذه القضية التي تُعدّ من العقبات في طريق المصالحة التامة وتسوية ملف الذاكرة الاستعمارية“.

وأضاف البرهومي، أن ”ماكرون فضل حساباته الانتخابية على حساباته الدبلوماسية، واختار سياسة الهروب إلى الأمام في علاقة بملف العلاقات الفرنسية الجزائرية، وهي خطوة قد تكون مربحة انتخابيًا بالنسبة إليه، لكن أثرها الدبلوماسي سيلاحقه إلى نهاية مدته الحالية، وقد يعقّد من مساعي التسوية، والتخفيف من حدة التوتر مع الجزائر“. على حد وصفه.

يشار إلى أنه يعيش حاليًا في فرنسا، ما يزيد على نصف مليون من ”الحركيين“.

Comments are closed.