فجأة تحول الإحتجاج على وقف المخصصات المالية للجبهة الشعبية إلى خلاف حول حرق صورة الرئيس محمود عباس، وتحولت إلى موجة من الإستنكار تقودها حركة فتح ومسؤولين وكتاب ووزراء وبعض المستفيدين منها ووصفوها بالجريمة، ووصلت إلى حد التشهير والتحريض والسب والشتم، وضرورة تقديم الإعتذار.
لا تزال المعركة مستمرة وشظاياها تتناثر في كل مكان، وكأن الإحتجاج بحرق صورة مس بالمقدس وأصبح عمل عنيف قد يتحول الى عمل إرهابي ويحاكم عليه من قاموا به بمس الحالة الثورية، ويرقى لدرجة خلق الفتنة وتعكير صفو الأجواء الوطنية ومس بالسلم الأهلي الفلسطيني.
ما يجري كشف الحقيقة التي يحاول الجميع الهروب منها، وأن ما يسمى النظام السياسي الفلسطيني هو نظام هش قائم على الإقصاء والتفرد والزبائنية والولاء، ويوم بعد الآخر تتكشف الحقائق بأن الساحة الفلسطينية ظهرها مكشوف، وعدم الإيمان بالآخر وحرية الرأي والتعبير والحق بالتظاهر والتجمع السلمي والإحتجاج.
وفي واقع شعب تحت الإحتلال تقع عيوب وأخطاء تصيب جوانب محددة من حياتنا، وعلاجها يتوجب أن يكون بميزان من ذهب، وثمة ضرورة ملحة للبحث بإستمرار في تلافي وقوعها وتفعيل المراجعات النقدية وإستخلاص العبر لمشوار طويل من النضال وما أصابه من هزائم وإنكسارات، وتحالفات عربية وإقليمية وموازين قوى لا تعمل لصالحنا.
لكن أن تستمر التجربة على ما فيها من سقطات طالت جميع مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والأخلاقية والأمنية، فهذا يكون زمن الإنحطاط وتعميمه إستمراراً لحال الإنقسام الذي أصبح إمتياز وماركة عالمية مسجلة بإسم الفلسطينيين لا منافس لهم في موسوعة جينيس للأرقام القياسية.
منذ أوسلو وما مر بنا من إنكسارات وطنية كنا نعزي أنفسنا بأنها فترة زمنية ستزول من تاريخ الشعب الفلسطيني، إلا أن الجميع إنخرط فيها، وما عشناه ونعيشه من إنهيار سياسي وتنازلات لا تزال مستمرة ولم نحقق لا حرية ولا إستقلال.
بعد عقد من الزمن الإنقسام مستمر ونندب حظنا ونبكي على إنهيار منظومة القيم والأخلاق والحس الوطني، وفقدان العلاقات والعادات الوطنية التي كانت سائدة في حدها الأدنى، وترسيخ مفاهيم وقيم سياسية برؤية فردية جديدة وإستباحة كل ما هو مشترك في المجتمع، ولم يعد هناك محرمات أو مرجعيات وطنية جامعة.
يسير الفلسطينيون كأنهم أصحاب سيادة ودولة تنظر لذاتها على أنها تنطلق من إستراتيجية تنفذ سياسة صفر مشاكل، مع أنهم مستمرون في البقاء في الأنفاق والعتمة، ولا يروا إلا تحت أقدامهم، وأصحاب البصيرة وبعد النظر بينهم لا حول ولا قوة لهم، ومطلوب منهم أن يكونوا شهود زور ويتوقفوا عن قرع جدران الخزان والتحذير من الإنحدار نحو الهاوية.
العجز مقيم فينا وجميعنا يشهد على هتك عرض الإحتلال لما تبقى من فلسطين، وجبناء في مواجهة أصحاب الإنقسام والتغني بأنهم أصحاب المشروع الوطني ومخلصي الأمة من الهلاك وهم لا يستطيعوا إطعام جائع أو مساعدة صاحب بيت غير مسقوف منذ سنوات وينتظر إعمار متوقف.
ما يجري في هذه الأرض المنكوبة بالإحتلال والإنقسام والرؤى السياسية المختلفة يندى له الجبين، أنه الحضيض، شعب بدءً من رئيسه وانتهاء بمولود شاهد النور اليوم يعيشوا في العتمة والتخبط والتوهان، بلا بوصلة ولا رؤية وطنية مشتركة، ويطالب الجميع فيها بحصصهم في السلطة، ويبحثوا في تفاصيل مخصصاتهم التي يتلقونها من جهات دولية وإقليمية بحساب وحسب مصالح المانحين والمتبرعين.
فصائل وطنية وإسلامية فقدت الشرعية، ويعتبرها الناس عبء ثقيل فاقدوا اليقين فيها، ومتورطة في الحفاظ على مصالحها، وما هو قائم من إنقسام ومحاصصة سياسية ومالية، وفساد سياسي وكارثة، ولم ترقى إلى الحد الأدنى من المسؤولية الأخلاقية والوطنية والسياسية، والقيام بالمحاسبة والمراجعات النقدية لنفسها إحتراماً لنضالات وتضحيات شعب يقاوم بلحمه الحي، ويبحث عن كرامة ولقمة عيش مغمسة بالذل والدم ويعيش الكارثة.
اليوم يترحم الفلسطينيون على زعمائهم العظام من أصحاب الرأي والرؤية وتحلوا بالحكمة وتزينوا بالعقل والحفاظ على القواسم المشتركة والتمسك بالقيم الوطنية والأخلاقية والمصلحة، لم يعودوا بينهم، ويعز عليهم أن يحكمهم من هم ليسوا ثقة وأهل لقضية أكبر منهم جميعاً.
مصطفى ابراهيم / صحفي فلسطيني
Comments are closed.