يحق لحلب أن تقول كلمتها، ولكنها لا تمضي بل ترنو وتَحِنُّ لتسمع كل الكلمات القادمة من كل بقعة سورية، ويحق لأهلها وللصامدين فيها أن يدلوا بدلوهم، وأن يسمعوا أيضاً ما يقوله السوريون معهم،
ويحق للجيش العربي السوري وحلفائه أن يرسموا الإحداثيات على الخريطة السياسية للمنطقة.. لكن وحدهم بعد أن امتلكوا الميدان بسواعدهم وبطولاتهم وتضحياتهم التي تفوق كل وصف، وتتجاوز كل تحليل، وتتفوق على كل استنتاج.
حلب لم تنتظر أحداً في صمودها ولا في بطولاتها، ولم تستأذن أحداً أيضاً في مواجهتها للإرهاب، ولن تنتظر أو تستأذن وهي تمضي في استعادة أحيائها واحداً تلو الآخر، وتبسط جغرافيتها حيث يخطو الجيش العربي السوري كي يعيد إلى حلب وإلى كل موضع في سورية ما غاب عنها في سنوات المحنة الأليمة، وفي أيام العدوان الذي استهدفها، وفي ساعات الجور والظلم ومحاولات الإلغاء التي أرادت قوى الظلام والإرهاب أن تفرضها.
في السياسة كانت حلب، وفي الميدان والمواجهة هي أيضاً كانت حلب، وفي الدبلوماسية أيضاً هي حلب، على كل الجبهات والطاولات والمنابر ستكون حلب، وتحضر حيث كان يغيب البعض أو يتخفى وراء إصبعه، لتقول تلك الكلمة المنتظرة، وقالتها وأعلنتها غير مرة وبكل اللغات.. وحدها لغة حلب بسوريتها كانت الأوضح والأفصح والأجمل والأبلغ.
الكل اليوم ينتظر ويترقب ما ترسمه حلب.. وحدها الأصوات المبحوحة يعلو صراخها بعد أن علا نحيب المراهنين على بقاء حلب أسيرة الإرهاب، وبعد أن فشل عتاة الإرهاب وداعموه وممولوه في نسج خيوط بددتها بطولات الجيش العربي السوري.
يتباكون على إرهابييهم.. يبحثون عن طوق نجاة لمرتزقتهم الذين يتساقطون، ولا يخجلون.. أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا جميعها تطالب بوقف فوري لإطلاق نار مع الإرهابيين، وهي الدول التي جيّرت العالم.. غربه مع شرقه تحت يافطة كذبة تورمت لدى الكثيرين، لكنهم جميعاً لم يتحركوا خطوة واحدة لتقديم المساعدة للمدنيين الذين خرجوا بفضل بطولات الجيش العربي السوري الذي أنقذهم من ربق الإرهاب.
حلب تضع النهاية وتخط البداية الجديدة التي تحرك تموضع إحداثيات الميدان، كما تعيد تحبير خرائط السياسة والمواقف، وبينهما تبدو التفاصيل بعناوينها الكبيرة لما هو بعد حلب، حيث الفاصل يكفي للجزم بأن ما قبلها لا يشبه ما بعدها، وما يصلح في زمن مضى لا يجوز أن يكون مطروحاً في زمن قادم، فلا مهادنة مع الإرهاب، وما أجازته حلب وحده المعيار ووحده المقياس، وما عداه أو سواه ليس أكثر من فرق زمني لا يقدم ولا يؤخر.
حلب تكنس الإرهاب وتكنس معه مرتزقة الميدان وأذرع السياسة المرتهنة، وتقطع اليد العابثة بالوطن وبالأهل وبالسوريين، وتمضي لتكون مثالاً وأنموذجاً وحكاية لمّا تكتمل فصولها بعد، ولا يمكن أن تكملها من دون أن ترى وتلمس وتشاهد كل الأرض السورية تمضي كما مضت، وتعلن كما أعلنت وتسجل كما سجلت وأن تكنس كما كنست، بل وتضيف إلى حلب ما يليق بها وما يليق ببطولات الجيش العربي السوري، وبصمود السوريين.
حلب تقول كلمتها ولا تمضي.. وسورية قالتها وتقولها لتبقى دائماً وأبداً عصية على النيل، ولو طال الأمر لبعض الوقت أو تأخر لحين..!!
Comments are closed.