مدريد (عربي times)
تسارعت وتيرة انكماش الاقتصاد الإسباني بصورة تنذر بأزمة مالية لم تشهدها دولة في منطقة اليورو منذ عقود، ووصلت معدلات الفقر إلى مستويات مهولة مع ارتفاع أسعار العقارات والسلع بصورة كبيرة.
ورغم تقديم الحكومة الإسبانية ثلاث حزم مساعدات العام الماضي لمواجهة آثار التضخم بقيمة 45 مليار يورو، إلا أن شريحة الفقراء ازدادت بحوالي 30 بالمئة تقريباً بحسب إحصائيات أممية وحكومية.
وفيما كانت شريحة العوز في السابق تقتصر على العاطلين عن العمل ومن ليس لهم دخل مادي، أصبحت اليوم تستوعب شرائح أكبر وفئات اجتماعية كانت تنعت بالميسورة سابقًا، لكنها أصيبت بالفقر الناجم عن التضخم وأزمات الطاقة.
أما التوقعات للعام الجاري، فتشير إلى معاناة إسبانيا من تضخم بنسبة 4.5% وارتفاع بالأسعار يجعل بعض المنتجات الأساسية بمثابة سلعٍ فاخرة، ويرفع معدلات الفقر، بحسب تقرير شركة “نوربولسا” الاستراتيجية لعام 2023.
فساد سوقي يعزز الفقر
وقال الصحفي ميغيل فيرا ليغيرو، إن “الوضع الاقتصادي في إسبانيا يتأثر في الوقت الحالي بعاملين، الأول هو زيادة التضخم بسبب الحرب، والثاني زيادة الإنفاق العام بسبب التحصيل الكبير من المساعدات الأوروبية من أموال Nex NextGenerationEU في الاتحاد الأوروبي”.
وأضاف ليغيرو الذي يعمل صحفياً اقتصادياً لصالح وكالة “ACN” الأسبانية لـ”إرم نيوز”: “أدت هذه الظروف إلى ارتفاع تكلفة الأسعار خاصة بالنسبة للغذاء والكهرباء، وبالتالي زيادة معدلات الفقر بصورة غير مسبوقة، لأن معظم الإسبان باتوا يستخدمون المدخرات لمواصلة الإنفاق”.
وأشار إلى “عامل تتفرد به إسبانيا عن باقي الدول الأوروبية وهو التلاعب والاحتكار من قبل التجار والذي أدى إلى تدهور القوة الشرائية للناس وزيادة معدلات الفقر”.
وتابع: “تعاني الأسواق من جشع أصحاب المتاجر الكبرى الذين يستغلون الوضع لزيادة الأرباح، ففي معظم دول القارة الأوروبية ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين الـ 5 والـ 10 بالمئة، إلا في إسبانيا وصلت إلى 14.4 بالمئة، وذلك بسبب جشع التجار الذين يبيعون بالجملة”.
أزمة الديون وخفايا سياسية
تعاني أسبانيا بصورة أكبر من الدول الأوروبية الأخرى نتيجة أزمة الديون الكبيرة من بروكسل، والتي لا تتعامل معها الحكومة بعقلية علاجية لأزمة تتفاقم منذ عام 2008، وإنما تطيل أمدها لاعتبارات سياسية.
وهنا قال ليغيرو: “كما هو الحال في أزمة عام 2008، تتأثر إسبانيا أكثر من باقي الدول بالهزة الاقتصادية الحالية؛ لأن الانكماش في الاقتصاد الإسباني آخذ في التسارع بصورة كبيرة نتيجة ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الانفاق الذي يعتمد بشكل كبير على الديون”.
وأضاف: “الحكومة لا تحسب مستوى مديونيتها بشكل صحيح ولا تتوقف عن إنفاق الأموال واستجرار الديون حتى تتجاوز الانتخابات المقبلة، وبالتالي هي تضحي بالقوة الاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية ولضمان بقائها في السلطة”.
وختم الصحفي حديثه: “الاتحاد الأوروبي مرن للغاية من خلال تمرير العجز المرتفع ورفع سقف الديون، إلا أن هذه الديون يجب سدادها في النهاية، ولكن متى..!؟ الإجابة على هذا التساؤل برسم الحكومة”.
انعكاس المديونية الحكومية على الشارع
وضع عجز الحكومة عن سداد ديونها وإيجاد حلول لإيقاف ماراثون الانكماش، البلاد أمام احتمالية أزمة اقتصادية لم تشهدها دولة في منطقة اليورو منذ عقود، بحسب المؤشرات الاقتصادية.
ورغم إلغاء الحكومة لضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية بهدف دعم الأسر الأكثر فقرا والحد من ارتفاع الأسعار، ازدادت عدد الأسر التي تعاني من الفقر والتي غيرت عاداتها الشرائية وسلوكها الاستهلاكي.
وتحدثت تقارير جامعة “Esade Barcelona Pedralbes”، عن أن الإسبان الذين يقبعون تحت وضع معيشي سيئ أصبحوا أكثر من 7 ملايين إسباني.
ووجه الاتحاد الإسباني لبنوك الطعام (فيسبال) دعوة للمتطوعين في إسبانيا للعمل في البنوك المرتبطة به والبالغ عددها 54، مشيرًا إلى أن البنوك بحاجة إلى أكثر من 120 ألف متطوع لمساعدة فرقها وكوادرها الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة في الوقت الحالي، بحسب تعبير الاتحاد.
وقالت الصحفية الإسبانية روزا كيرفانتيس: “عندما يعاني الاقتصاد من نكسة سلبية يمكن تبرير ذلك في الحرب وبأنها نكسة طالت كل الدول الأوروبية، لكن عندما يصل الدين العام إلى مستويات قياسية ويقترب من 120٪ من الناتج المحلي الإجمالي، فهنا يجب تقديم الإدارة الحكومية الاقتصادية للمساءلة”.
وأضافت كيرفانتيس لـ”إرم نيوز”: “متابعاتنا اليومية لما يجري في الأسواق تشير إلى استمرار التضخم وتطور أسعار الفائدة، وحتى إمكانيات نمو الاقتصاد الإسباني لن تكون إلا بمعدلات منخفضة للغاية”.
وتتفق كيرفانتيس مع زميلها ومع الشارع الإسباني الذي أصبح يعي أن لب المشكلة الاقتصادية هي تسييس الاقتصاد وحالة الشقاق الإسباني في التعامل مع المديونية الأوروبية.
وقالت: “لن تساعد الفترة الانتخابية والتنافس الانتخابي في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الاقتصادية وأبرزها مسألة الديون، وهذا يدفعنا للتوقع بأن يستمر ارتفاع أسعار الفائدة وتتواصل المشكلات الاقتصادية بشكل لا يدعو كثيرًا للتفاؤل”.
حتى التدخلات الإغاثية مأزومة
سياسات الحكومة موجهة بوضوح شديد نحو مساعدة أكثر الفئات حرماناً وأولئك الذين يعانون أكثر من غيرهم من عواقب الوضع الاقتصادي الصعب، بحسب كيرفانتيس، لكن المشكلة الأكبر هي عدم المساواة، والتي أدت لاستبعاد ما يقارب 30٪ عن الشريحة المستفيدة من المساعدات، وهم في أمس الحاجة إليها.
وذكرت الصحفية الإسبانية: “المساعدات قاصرة في بعض المناطق وأمام بعض الشرائح، حتى المصارف التي يجب أن تمارس دعمًا عبر الإقراض تحافظ على سياسة نقدية مقيدة للغاية، وبالتالي لن تعود الأسعار إلى المستويات التي يمكن اعتبارها صحية، وبرأيي لن نبلغ تلك المرحلة حتى عام 2024 أو 2025 على الأقل”.
يذكر أن الشعب الإسباني كان يهدر في السنوات السابقة ما يقارب الـ 1,36 مليون طن من الطعام كل عام، أي ما يعادل 31 كيلوغرامًا من الطعام الصالح للأكل لكل مواطن؛ الأمر الذي دفع الدولة لسن قوانين رادعة لهذا الهدر الغذائي.
Comments are closed.