الذكاء الاصطناعي يقرأ كلمات ومعان الدماغ

واشنطن (عربي times)

الأرجح أن جمهوراً واسعاً من القراء يذكر الصورة الأيقونية الشهيرة لعالم الفيزياء النظرية الراحل ستيفن هوكينغ، مقعداً كلياً على كرسي متحرك يديره كمبيوتر. وتدرب ذلك الحاسوب على قراءة حركات عيني هوكينغ، فإن ثبتت على كلمة أو حرف، يعرف الكمبيوتر ما المطلوب منه. آنذاك، لم توجد سوى قلة من تلك الحواسيب، بل إن أول ما استعمله هوكينغ منها تمثل في كمبيوتر صمم خصيصاً كي يتلاءم مع حاجات ذلك العالم الفذ.

الأرجح أن شيئاً من تلك التجربة يحضر إلى الذهن، مع قراءة الخبر المطول الذي نشره أخيراً الموقع الشبكي لـ”الجمعية الأميركية لتقدم العلوم” American Association for Advancement of Science التي تشرف على مجلة “ساينس” Science العلمية الشهيرة، عن توصل فريق علمي إلى تدريب الذكاء الاصطناعي على قراءة الموجات الكهربائية في الدماغ، إلى حد التعرف إلى كلمات وجمل معينة في ثنايا تلك الموجات.

وتذكيراً، يعمل الدماغ طيلة حياته عبر تناقل موجات كهربائية تنتقل بين الخلايا العصبية التي تكونه، وتتحرك مع وظائفه كلها. واستطراداً، يعرف الطب الحديث الموت بأنه توقف سريان الموجات الكهربائية في الدماغ والقلب الذي يعمل عبر موجات كهربائية أيضاً.

واستطراداً، حينما يؤدي الدماغ وظيفة ما، تتحرك موجات كهربائية داخله تتوازى مع المهمة التي يؤديها. ويضاف إلى ذلك وجود مراكز معينة ترتبط موجاتها الكهربائية مع المهمة المتخصصة التي تؤديها، على غرار مراكز التحكم بحركة طرف معين أو التذكر أو الكلام أو النطق وما إلى ذلك.

واستكمالاً، الأرجح أنه من الشائع الحديث عن تخطيط الدماغ في حالات صحية ومرضية متنوعة. وأخيراً، توصل فريق متخصص في “علم الأعصاب المحوسب” Computational Neuroscience، إلى تدريب الذكاء الاصطناعي على القراءة المدققة لرسوم الموجات الكهربائية في الدماغ خصوصاً أثناء الكلام والحوار.

وبحسب تعليق من المتخصص في “علم الأعصاب المحوسب” في “معهد ماساشوستس للتقنية” Massachusetts Institute of Technology (يشتهر باسمه المختصر “أم آي تي” MIT)، البروفيسور مارتن شريمبف فثمة أفق من التطور مفتوح أمام هذا الإنجاز يكمن في أنه “عبر التركيز على تطوير النماذج المتطورة والمقاربات الملائمة، قد نتوصل إلى تفكيك شيفرة ما يفكر المرء به”. ووفق شيرمبف أيضاً، ركزت معظم الفرق العلمية حتى الآن على رصد أنماط الموجات الكهربائية المتصلة بالكلام أو التفكير فيه، عبر تطوير منصات ذكية للتفاعل بين الدماغ والكمبيوتر brain-computer interface (اختصاراً، بي سي آي)، ومع إيلاء أهمية خاصة للموجات الكهربائية في المناطق المتخصصة بالكلام في المخ.

في هذا المضمار، تحقق إنجاز جديد على يد فريق متخصص في “علم الأعصاب المحوسب” من “جامعة تكساس أوستن” قاده البروفيسور ألكسندر هوث. وتمثل ذلك الإنجاز بتطوير خوارزميات ذكية تولت تدريب الذكاء الاصطناعي على قراءة البيانات تجمع بواسطة تسليط “المسح الوظيفي بالرنين المغناطيسي” على المراكز المتخصصة بإنتاج الكلمات في الدماغ.

توضيحاً، يعمل المسح الوظيفي بالرنين المغناطيسي عبر رصد التغير في تدفق الدم إلى مناطق الدماغ.

دور النماذج اللغوية التوليدية

ركز البحث على ثلاثة متطوعين أصغوا يومياً إلى 16 ساعة من البث الإذاعي للقصص، فيما جرى تفحص أدمغتهم بواسطة “المسح الوظيفي بالرنين المغناطيسي”. واستطاع الفريق صنع خرائط ربطت بين تغير عمل مناطق الكلام في الدماغ، والمضمون الذي حملته الكلمات أثناء عملية المسح التي تستغرق في العادة بضع ثوان.

في خطوة تالية، عمل ذلك الفريق نفسه على تدريب الذكاء الاصطناعي على ملاحظة تفاعل دماغ كل واحد من المتطوعين الثلاثة، مع المعاني المتضمنة في جمل محددة. وفي البداية، لم يستطع الذكاء الاصطناعي التقاط الروابط والأنماط المطلوبة للتعرف إلى المعاني، ثم عمد الفريق إلى إدماج النماذج اللغوية الكبرى المستعملة في روبوت الدردشة التوليدي “جي بي تي” GPT اسمه التقني هو “المحول التدريبي المسبق التدريب” generative pre-trained transformer، مع الخرائط الكلامية المرسومة بواسطة “المسح الوظيفي بالرنين المغناطيسي”. النتيجة؟ استطاع الذكاء الاصطناعي التعرف إلى المعاني التي ترد في أذهان المتطوعين البشر، حين الإصغاء إلى الجمل اللغوية التي تحمل تلك المعاني.

في مسار مواز، أثار الإعلان عن تلك التجربة ونتائجها تعليقات تعمقت في الجوانب المتعلقة بمدى ما تحمله من خطورة على الحرية الفردية والخصوصية، ماذا يحدث حين لا يعود الدماغ حصناً تكمن فيه الأفكار فلا تعرف إلا إذا نطقت أو أعلنت؟

في ذلك الصدد، رأت المتخصصة في أخلاقيات علوم البيولوجيا من “جامعة ديوك” في ولاية كارولينا الشمالية نيتا فرهاني، أنه على رغم محدودية الدراسة ونتائجها، فإنها يجب أن تحث العاملين في “علم الأعصاب المحوسب” على التعاون مع مفكرين وأكاديميين كي يرسموا معاً الضوابط التي يجب تعميقها كي لا يتحول ذلك النوع من الإنجازات العلمية إلى كابوس مستمر في شأن الخصوصية والحرية الفردية.

Comments are closed.