قرأتُ وأنا أتصفّح «فيس بوك» خبراً يقول: سألتْ مي زيادة العقاد في رسالة: «لماذا تكتب لي (أنتي)، وليس (أنتِ) بكسر التاء؟» فأجابها: «يعزّ عليَّ كسرك حتّى في اللّغة». فتذكرتُ ما روي يوماً عن الجواهري – ووجدته للأسف مكتوباً في بعض المقالات – من أنّه ينطق اسم بلده (العُراق) بضمّ العين، وحين سألتْه المذيعة عن ذلك أجابها – ويا لمحاسن الصدف – «يعزّ عليّ أن أكسر عين العراق لأنّ عين العراق لا تُكسَر أبداً». والحقيقة أنّه لا العقاد الذي ألّفَ كتاباً عظيماً في مزايا اللغة العربية عنوانه «اللغة الشاعرة» يكتب (أنتي) بالياء، ولا الجواهري نهر العراق الثالث ينطق العُراق بضمّ العين وهذه مئات التسجيلات له موجودة على الإنترنت.
وكنت أعتقد أنّ سهولة الوصول إلى المعلومة بكبسة زر في عصرنا الحالي سيقلل من الافتراء على خلق الله الشعراء والأدباء، فإذا بالعكس تماماً هو ما يحدث، والشعر المنحول موجود منذ الجاهلية ولكن كان العلماء يتصدّون لتوضيح الحقيقة، أما الآن فيكفي أن تنسب شعراً أو حتى نظماً ركيكاً مفكّكاً لشاعر مشهور حتى يتناقله الآلاف من هذا القطيع الذي لا يحسن إلا القصّ واللصق. ولأني صرفت سنوات من عمري في دراسة شعر نزار أكاديمياً تصادفني قصائد أو أبيات نسبت إليه في وسائل التواصل الاجتماعي وأحياناً تنقلها دون تثبّت منابر إعلامية معروفة، أُدركُ من أول قراءة أن نسبتها إلى نزار مثل نسبة «الطشت قال لي» للمتنبي.
ومن الطرائف أن أبياتاً نُسبت لنزار قباني مطلعها: عفواً فيروز ومعذرة/ أجراس العودة لن تقرع، يزعمون أنه عارض بها أغنية فيروز الشهيرة: الآن الآن وليس غداً/ أجراس العودة فلتقرع، فتحت شهية عدة شعراء ومنهم تميم البرغوثي لمعارضة ما نسب لنزار، ويكفي أن نعرف أنّ الذي عارض أغنية فيروز هو الشاعر السوري فيصل البليبل لتنهار كل هذه القصائد كقصر من ورق.
وبما أنّ شعر نزار قباني «لبِّيس»، فقد نَسب له موقع «كتارا» من سنوات قصيدة في مدح النبي، ثم سحبها مشرفو الموقع واعتذروا من صاحبها الشاعر السعودي يحيى توفيق حسن، ومع هذا انتشرت بقوة، ويكفي أن تكتب في محرك البحث (غوغل) «نزار قباني يمدح النبي» لتحصل على أكثر من ربع مليون نتيجة. مع أن المتذوّق لشعر نزار فما بالك بالمتخصص يكفي أن يقرأ شطرها الأول فقط «عَـزَّ الـورودُ وطـال فيـك أوامُ» ليعرف أنها ليست له.
الآن كل وسائل التحقق والتثبت متاحة وبسهولة ورغم ذلك تطالعنا كل يوم عشرات الأقوال والأشعار المنحولة لغير أصحابها، وكم تمنيت لو كان الشاعر نزار قباني حياً ليقرأ قصيدة توأمه الافتراضي «الحاج نزار قباني».
يكفي أن تنسب شعراً أو حتى نظماً ركيكاً مفكّكاً لشاعر مشهور حتى يتناقله الآلاف.
المصدر / مصدر:
Comments are closed.