كيف قرأ الاردن التحشيدات العراقية ؟

يحتشد آلاف العناصر من منظمات عراقية قرب الحدود مع الأردن ويقيمون خيماً ويتظاهرون قرب الحدود بحض من مرجعيات دينية وسياسية عراقية، من أجل مناصرة الفلسطينيين في هذه الحرب الدموية، واختيار الحدود مع الأردن لافت للانتباه على مستويات أردنية ودولية.

الأردن أجرى اتصالات مع العراقيين من أجل أن يستفسر عن معنى هذه التجمعات قرب الحدود مع الأردن، وسط ظرف أمني حساس جدا لكل المنطقة، وعمان تلقت برقيات تهدئة عراقية رسمية، حول إن هذا المشهد يرتبط بحسابات عراقية داخلية، وبالشعارات السياسية التي تتبناها بعض التنظيمات والأحزاب والجماعات، وإن هذا التحشيد لن يكون متواصلا، ولن يتحول إلى عامل ضغط على الخاصرة الأردنية في تلك المنطقة.

في عمان تمت قراءة عملية التحشيد بطريقة مختلفة، لأن هذه المجاميع على قلة عددها لديها طرق أسرع وأسهل نحو فلسطين، من خلال مناطق سورية ولبنان، وهي مناطق محسوبة سياسيا وأمنيا وعسكريا على ذات اتجاه التنظيمات التي حشدت قرب الأردن، ولو كانت النية بالقتال دعما لغزة قائمة حقا، فإن الطرق أقرب وأسرع عبر سورية ولبنان، في هذه الحالة حصرا.

هذا يعني أن الأردن قرأ الأمر بحساسية شديدة، تقترب من تأويلات سلبية بكونها رسالة مباشرة إلى الأردن من جهات مختلفة، وهي رسالة قابلة للتضخيم، وإعادة الابراق.

الفلسطينيون ليسوا بحاجة من جهتهم إلى توظيفات سياسية من أطراف عدة في العالم العربي، فقد تعب الفلسطينيون من استثمار قضيتهم لزيادة الشعبية، أو لتحسين السمعة لدى البعض، أو لصب دمهم في حساب خزانات المصالح الإقليمية، خصوصا، في ظل المجازر الإجرامية.

ما نراه من اشتباكات قرب فلسطين، ضد الاحتلال الإسرائيلي، اشتباكات لم تمنع الجرائم الإسرائيلية، بل تورطت إسرائيل أكثر بالجرائم التي لم تستثن مسجدا ولا مستشفى ولا مدرسة ولا بيتاً ولا طفلا ولا صغيرا ولا كبيرا، ومنعت حبة الدواء وشربة الماء والخبز والكهرباء والوقود.

البعد الإقليمي والدولي في المواجهة واضح جدا، فالولايات المتحدة ترسل إضافة إلى الأسلحة وحاملات الطائرات والدعم الاستخباراتي، قوات عسكرية، وهذه أول مرة تشارك واشنطن علنا بقوات برية بالحرب ضد الفلسطينيين، بذرائع مختلفة، بعد أن كانت ترسل الخبراء وتجري المناورات وتمول الاحتلال بالمال والسلاح، وهذا يعني مع التراشقات التي تحدث جنوب لبنان، وحالات القصف التي تتعرض لها بعض القواعد الأميركية في العراق، والتهديدات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة، أن كل المنطقة مرشحة لحرب واسعة، تحاول أطراف كثيرة تجنبها حتى الآن، بما في ذلك طهران التي تفضل تذكير واشنطن بعضلاتها وبامتدادها العسكري في دول مختلفة، وقدراتها على فتح جبهة واسعة، لهدف من هدفين، أولهما توتير واشنطن ومنعها من توسعة الجبهة، بشكل مسبق وصولا إلى حزب الله وإيران، وثانيهما الضغط من أجل الوصول إلى تسوية حول نفوذ وترسيمات مساحات إيران في المنطقة، العلني منها والسري أيضا.

اللافت للانتباه أن شهية أطراف عدة في العالم لنصب فخ لواشنطن عبر غزة وكل فلسطين، باتت شهية تتغذى على دماء الفلسطينيين أيضا، الذين يقدمون كل هذه التضحيات في الأساس لأجل قضيتهم، ولأجل المسجد الاقصى، وإنهاء الاحتلال، وليس بهدف الدخول طرفا في حسابات إقليمية ودولية محفوفة بالمخاطرات.

من جهة ثانية يتعرض الأردن إلى ضغوطات هائلة هذه الأيام، على صعيد بنيته الداخلية، وغضب الأردنيين من هذه الجرائم، والضغوطات التي على صلة بالملف الاقتصادي والأمني، وحسابات المخاوف من ملفات “إعادة التهجير” من جديد، كون نسبة كبيرة من أهل غزة والضفة الغربية لاجئين أصلا من فلسطين 1948، وهذا يعني أنهم أمام خطر “إعادة التهجير” وليس التهجير في هذه الحالة، إضافة إلى ما يرتبط بسقوط كل مشروع أوسلو، واحتمالات وقوع حرب إقليمية ودولية تشعل النار في كل المنطقة سياسيا، وعسكريا وتترك أثرا اجتماعيا وأمنيا واقتصاديا حاداً، وما يرتبط أيضا بملفات كالحدود الأردنية مع سورية، والعراق، وفلسطين.

النار التي أشعلتها اسرائيل في هذا التوقيت لن يكون إخمادها سهلا وهي نار امتدت إلى بنية إسرائيل الداخلية، أيضا، خصوصا، مع استمرار القصف، والتلاعب المتعمد بتواقيت الهجوم البري على القطاع، بما يجعلنا نعتقد أن غزة قد تقود المنطقة والعالم، إلى مصير جديد.

ما هر ابو طير

الغد

Comments are closed.