“إنحسار العولمة في غزوة البيجر ” !

١-عملية البيجر التي ضربت بيئة المقاومة في لبنان …من مدنيين وعسكريين واطفال ونساء ..والتي اعتبرت من انواع(الحرب القذرة) أو(الحرب العمياء) التي لاتميز بين المستهدفين …باشرت اجهزة الامن وخبراء الاتصال واجهزة حماية التصدير والتوريد التحقيق في صفقة البيجر على كل الصعد من المنتج الى المستعمل واحتمالات الخرق و الغش والتبديل وغيرها من الاحتمالات ..

٢-الذي يقف خلف (البيجر الملغم ) هو جهاز أمني (مستقل ) أو يمثل (الدولة العميقة )التي لاتتأثر بعمر الحكومات وبالتغيير الوزاري والحكومي وولاءات الحزب الحاكم او المعارض…واذا صدقت رواية صحيفة (واشنطن بوست) من ان عملية (تلغيم البيجر) تم الاعداد لها من عشر سنين فهذا يرسخ القناعة بأن تكون الاجهزة الامنية (مستقلة) لكل مفرداتها عن حركة النفوذ والانحسار والتدخل السياسي بعملها (أفراداً ودوائر)…وموازنة وجهات صرف..ويبقى هدف الاجهزة الامنية هو(ترسيخ الامن القومي والوطني) للدولة ومواطنيها ..وشفرة استمرارها..

 

٣-بدأت الدول التشديدفي (سياسة التوريد) للبضائع المستوردة وخصوصاً الاجهزة ذات الاستخدام المتنوع (سلمي-حربي)..وحتى الاجهزة السلمية البحتة وخصوصاً الاجهزة الذكية منها والتي اعتبرت علامة فارقة من علامات التجارة المفتوحة في هذا العالم الصغير …لتتضيق مساحة (حرية ) حركة التبادل لصالح (الفحص) العلمي والتجاري والامني..الطويلة والمملة وربما (المكلفة)..

٤-سياسة التوريد …والعمل على صيانتها والتدقيق منها ..خشية من الخرق الامني او الاستخباري او التجسسي ..أول من استجاب لها هو (حلف الناتو) الذي وضع تعليمات صارمة على (تجييك) كل معدات التوريد (صغيرة وكبيرة)..
عسكرية او مدنية…لان شهية (الاستهداف) انفتحت على مفردات وحاجات (المواطنيين)السلمية..

٥-أصبحت دول العالم تركز في (مسافة) ومدى سير البضاعة ومحطات التوقف والترانزيت …وهذه كلها (مفردات) تعمل لصالح (الجغرافياالمحدودة) ….لتنحسر المسافات الطويلة المتمددة على تضاريس متعددة تحت (سقف العولمة)..مما يدخل (الزمن) عاملاً مهماً في سياسة التوريد ..وميزان الربح التجاري

٦-(البيت الذكي) والهاتف الذكي وكل الاجهزة الذكية والتي تتصل ب(النت) والذكاء الاصطناعي أصبحت في (دائرة الخطر) المحتمل للاستهداف ..واصبحت بدائية الاجهزة (غير الذكية) هي الاكثر أماناً من الاختراق والذي يمكن ان (يقتل او يحرق أو يصهر) هذه الاجهزة والقريبين منها أو مستخدميها ..ليذبح الذكاء يسكين الامن والاحقاد ..لان أخطر ما افرزته (حرب البيجر) هو سقوط (المحدد الاخلاقي)بين المتخاصمين..

٧-نظرية (الزبون القديم ) أو (المصدر الآمن) انحسرت لصالح البحث عن (الزبون غير المألوف) او (المصدر او المحل غير المعتاد او غير المتوقع ) التعامل معه …هي اكثر أماناً…لتجنب الاستعداد المسبق للتحضير الى (اللعب) بالبضاعة واختراقها .. عبر تشتيت التتبع والملاحقة للبضاعة …وربما ستخسر بعض المواصفات التجارية لصالح ضمانات السلامة العامة ..وهذه تدخل في الاهمية القصوى لسلم اولويات الناس والاوطان ..

٨-العودة الى (النمط المركزي) في سياسة التصنيع والانتاج والتوريد والتصدير …ستوفر حماية أكبر من (السوق المفتوح والسائب) .. بعيداً عن فلسفة الحكم (المركزي او الديمقراطي) …وهذا ما يعتبره البعض (عودة) الى النظم المركزية والدكتاتورية التي تتوجس من كل شي ..

٩-شهادة الاعتماد بعد (غزوة البيجر) للبضاعة اصبحت (سر من اسرار) الدولة والسيادة ولايمكن التهاون بها من قبل المصدر … والمورد باعتبارها ( من عناصر الحماية وكذلك من عناصر الاثبات او الادانة ودليل جنائي ) يستدل به في التقصي والمرافعة والاحتكام …. وكذلك (يفرز) البضاعة الاصلية عن بضاعة التقليد او (المزورة) والتي تخشى اصدار شهادة الاعتماد لانها تتحرك في عالم التقليد …وليس عالم الاصالة

١٠-من الذي سيحمي المواطن و البضاعة في هذا النوع من الحروب…الجواب التقليدي سيكون اجهزة الامن والمخابرات ..وهذا صحيح كلياً قبل عملية البيجر ..ونسبياً بعدها…ولابد من اشراك اجهزة الاتصالات و ( وزارة الاتصالات )..والامن الوقائي (العلمي) .. في ذلك… واعتبار البضاعة السلمية او(البيضاء) لها بعد أمني …شأنها شأن (مفردات السلاح) والتشديد في تعليمات الاختيار والتفاوض وسلامة البداية والنهاية للبضاعة ..

١١-بعد البيجر ..لم يعد (السعر) هو (سر التفاوض ) بين البائع والمشتري … وانما دخلت مفردات اخرى تواكب (أهمية السعر) وربما تتفوق عليه عندما تلامس أمن وسلامة المجتمع والسيادة الوطنية …

١٢-لقد ربح (الموساد) جولة من جولات الحرب(التكتيكية) … ولكن خسرت (العولمة ) بكل تنوعاتها (الاستراتيجية)… وستدفع الدول الى التعامل مع (القريب) الامني والجغرافي …والدول المركزية في (البيع والتوريد) ومع (البضاعة الحكومية) أو (المكفولة حكومياً)…ومع الدول التي لاتملك (شهية ) التمدد او لها تاريخ (غير آمن ) يمكن ان يتحرك في تضاريس الزمن على حياة الاخرين…

عباس الجبوري
مجلس النواب العراقي

Comments are closed.