قد لا يكون حادث التدريب المميت هو الأول في الكلية العسكرية وعموم الجيش العراقي ولن يكون الأخير، فالتقليد الشائع والعبارة التي يرددها المدربون هو حق الخمسة بالمئة كخسائر في معسكرات التدريب، وبعيداً عن ساحات التدريب وما لها وعليها، فقد كانت قصة موت الطالبين الشابين في الكلية العسكرية الرابعة في الناصرية، فاجعة هزت المجتمع وسلّطت الضوء على حالة مأساوية معتادة، هي حضور الموت فجأةً عند بلوغ لحظة تحقيق الحلم.
وإذا تنوعت المواقف وردود الأفعال من هذه الحادثة المؤلمة، فقد برزت الأم العراقية المفجوعة في لحظة وصول جنازة ولدها على باب الدار، لتوجّه للناظرين من سكّان الأرض والسماء رسالةً ما ، حين استقبلته بنثر الحلوى على وقع طبول فرقة أفراح موسيقية شعبية، ولا أشك أن إعداد الجنازة بهذا الشكل كان مطلباً لهذه الأم، لكونها الوالدة ومالكة الحق الحصري في إعداد لحظة الوداع بالشكل الذي تريد، فهي التي حملته وهناً على وهن وقضّت عمرها تنتظر يوم زفاف ولدها ويوم تخرجه ليصبح ضابطاً في الجيش تتمناه أحلى البنات، وبكل بساطة تبدد الحلم وانتهى المشوار، وتبدلّ الى حزن يكسر القلوب، ومن رأى وسمع أهزوجة المشيعين “عرّيس وربعة يزفونه” يفهم قصة الحلم المفقود من بدايته الى نهايته وكيف اختلطت مشاعر الأحلام والأفراح والأحزان بقسوة في مأتم الأم الكبيرة، لينتج لنا مشهد التابوت والحلوى في منظرٍ لا يحتمل، ولا أنصح ضعاف القلوب بمشاهدته.
وموقف هذه الأم، هو بمثابة احتجاج بطريقتها الخاصة، حين تضطرب المشاعر ويعجز اللسان عن التعبير، كأنها توبّخنا جميعا، فكلنا مسؤولون بدرجة أو بأخرى عن الأخطاء الصغيرة، التي نستهين بها حتى تكبر وتقتل الأحلام الكبيرة.
عبد الهادي مهودر
كاتب واعلامي
العراق
Comments are closed.