هل نجحت واشنطن بتحييد موسكو في سوريا؟

بنهاية أيلول، أكملت روسيا عاماً كاملاً على تواجد قواتها الجوية في سوريا، وجرى خلال هذا العام أحداث كثيرة على الصعيدين العسكري والدبلوماسي، حيث أصبحت روسيا جزءاً أساسياً وطرفاً رئيسياً في المعادلة، وأصبح من الصعب عليها أن تخرج من سوريا دون تحقيق الأهداف التي تتعلق بمصالحها، ولو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن قبل ما يقارب 6 أشهر عن سحب جزئي لبعض القوات.

ولا شك أن رضى الولايات المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي عن دخول القوات الجوية الروسية إلى سوريا، كانت الغاية منه “توريط موسكو” وإهدار مواردها، حتى تتمكن واشنطن من تحييدها عن معادلة الازمة السورية لتصبح لاعب ثانوي هناك.

ولم يسفر الصدام بين روسيا وتركيا عن تحولات عسكرية بين البلدين، بينما محاولة الانقلاب التي جرت في تركيا أسفرت عن تقارب (شكلي) بين روسيا وتركيا. وقد قال بعض المحللين أن أردوغان “خضع للأمر الواقع وذهب إلى موسكو زاحفا من أجل الاعتذار وإعادة العلاقات”.

ورأي محللون آخرون أن “تركيا التفت على الواقع بتقاربها مجددا مع روسيا، ومن ثم خدعتها ونفَّذت سيناريو التدخل العسكري في سوريا”.

لكن النقطة الأهم من هذا التقارب هو احتياج روسيا وتركيا إلى بعضيهما في الكثير من الأمور منها اقتصادية ومنها ما يتعلق بوضع البحر الأسود، ومنها المرتبط أصلا بمشروعات الطاقة. وذلك يعني أن العلاقات المهمة التي تحقق مصالح البلدين لا يمكن حذفها بسهولة نتيجة مؤامرات سياسية.

وعلى ما يبدو فإن واشنطن لم تنجح في استثمار كل التناقضات بين موسكو وأنقرة، وهذا يعني أن واشنطن لم تتحول إلى ورقة “جوكر” مهمة للطرفين، ولا لبقية أطراف حل الازمة السورية في الداخل والخارج، بل فشلت أيضاً في دفع كل من موسكو وأنقرة إلى القيام بأدوار ثانية لا يمكن أن تتم أو تكتمل إلا برضى واشنطن ومساعدتها، ومن هنا تحديدا، فشلت “الهدنة الهشة” التي جاءت عقب اتفاقات روسية – أمريكية في 9 أيلول 2016.

ولا شك أن روسيا تمكنت على مستوى ملموس من تحقيق أحد أهدافها، ألا وهو محاربة الإرهاب في سوريا، أو على الأقل قطع الطريق عليه حتى لا يصل إلى أراضيها.

وذلك على الرغم من تصريحات الخارجية الأمريكية التي هددت فيها روسيا بإمكانية “تعرض مدنها وجنودها وطائراتها للإرهاب”، ومن محاولات تغذية الإرهاب ودفعه إلى حدود روسيا من جهة، والسعي إلى حصارها اقتصاديا عبر القيود والعقوبات من جهة أخرى.

كما استطاعت موسكو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية على الرغم من تعدد الأطراف المسلحة التي يرغب كل منها في اقتطاع نصيبه وإعلان دولته، هذا بالإضافة إلى التدخل العسكري التركي في الأراضي السورية، وهو الأمر الذي أفسد جزءا من رهانات وسيناريوهات الولايات المتحدة نفسها.

وإن فشل واشنطن في تحييد روسيا، تسبب بتراجع الأولى عن اتفاقات جنيف حول سوريا، وعودة الأمور إلى مراكزها الأولى ولكن “بدرجات حرارة أعلى”، واستعدادات لتنفيذ سيناريوهات الأرض المحروقة، وهو الأمر الذي يثير قلق كل دول العالم باعتباره رهاناً خاسراً قد يتسبب في خسائر دولية وبشرية واسعة.

Comments are closed.