ليس مبالغة، أكثر الأخبار متابعة من قبل العراقيين هي حالة الطقس، فالعواصف الترابية هذا العام هي الأكثر تسجيلاً في تاريخ البلاد المتقلّب مناخياً وسياسياً، وكأن السماء مرآة لما يجري على أرض الرافدين.
حالة المناخ الرسمية في العراق هي: حار جاف صيفاً وبارد ممطر شتاءً، وحالة العراق السياسية متقلبة كالخريف، ولم يُعرف لها هوية منذ تأسيس الدولة قبل 101 سنة، فالملكية كانت تحكم البلاد لأربعة عقود ونصف، ثم تلتها الجمهورية بمختلف توجهاتها: الدكتاتورية والعلمانية والدينية، وصولاً الى حكم يمزج بين كل هذا، وهو بلا هوية أيضاً.
حالة التقلّب التي رافقت مناخ وأجواء العراق السياسية خلال الأعوام القليلة الماضية، جعلت الفرد العراقي متقلّب المزاج على نحو كبير، ويظهر ذلك خلال فترات الإنتخابات، إذ يصب جام غضبه على النخب السياسية والبرلمانية لسوء أوضاعه، ويعود وينتخب ذات الوجوه التي لم تصلح حاله أو حال بلده الذي سيغزوه التصحر، ويصبح بلا إرادة أمام إنحسار المساحات الخضراء.
صحيح أن التغيّرات المناخية أصبحت واقعاً ملموساً، لكن أغلب الدول، ومنها العربية شرعت بخطط لمواجهة هذا التغيّر قبل وصوله الى نقطة اللاعودة.
مثلاَ في مصر، هناك مشروع زراعة 1.5 مليون فدان وتحويل نظم الري الى طرق حديثة، وإنشاء محطات تحلية المياه في أرجاء الجمهورية، ووقف التجاوز على الأراضي الزراعية، كل هذه الإجراءات وغيرها ستساهم في التقليل من مشكلة التصحر التي هي لبّ قضية التغيّر المناخي.
العراقيون يعلمون حقيقة تنفيذ الأعمال في مصر على أرض الواقع، ويعلمون أيضاً، أن خطط وبرامج مواجهة خطر التصحر في بلادهم بعثرتها موجات الغبار المناخية والسياسية.
الأرقام تنبئ بخطر كبير على العراق، فقد إرتفعت أيام الغبار سنوياً بزيادة وصلت الى 30 يوماً إضافياً خلال العقدين الأخيرين، كما أن الأراضي المهددة بالتصحّر ستبلغ 53% من مساحة العراق بحسب الأرقام الرسمية لوزارة الزراعة، لكن الطامة الكبرى هو مقدار التخصيصات المالية ضمن قانون (الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية) الذي حل بديلاً عن قانون الموازنة العامة للعراق عام 2022، الذي لم يرَ النور بسبب الخلافات السياسية على موضوعة الحكومة، حيث حلّ هذا القانون لتمشية شؤون البلاد المالية، وقد تضمّن رقماً بائساً مقداره خمسة مليارات دينار (3.4 مليون دولار) لمكافحة التصحر!
تخيلوا في بلد كالعراق، دخل الى خزينته العام الماضي 75 مليار دولار كعوائد تصدير النفط فقط، وستكتنز أرصدته بأكثر من 100 مليار دولار نتيجة إرتفاع سعر برميل النفط، يخصص 3.4 مليون دولار لمكافحة أسوأ تحدٍ عالمي وتكون ارضه هي إحدى أبرز المواقع المهددة بهذا الخطر.
الخطر الحقيقي، إستمرار الأوضاع السياسية وتقلباتها في العراق على هذا النحو، والتصحيح يبدأ بتغيير أغلب رجال الطبقة الحاكمة الساكنين في “المنطقة الخضراء” المنشغلين بمستقبلهم الأخضر، رجال يتابعون نشرات الأنواء الجوية لمفاتن جميلات مقدماتها، دون الإلتفات الى الأرض التي أصبحت عارية ولم تعد تكسوها الأشجار.
بشير الاعرجي
كاتب واعلامي
العراق
Comments are closed.