لكن التوسط مثل العداء. لزوم ما يلزم وما لا يلزم. ناس تعيش على الحروب وقتل الناس، وتعذيبهم، وتجويعهم، ومطاردتهم في الركام والبراري، وناس لا حول ولا قوة، تعمل بنصيحة عزيز صبري:
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده
وما عليه أن تتم المقاصد
وكان أبي، رحمه الله، يردد البيت دائماً، مستبدلاً «الرغائب» بـ«المقاصد»، والمعنى في قلب الشاعر، في أي حال.
كان الوالد يتسلح بالشعر في اعتذارياته من مظالم الدهر، وأحكام القهر. ويحفظ منه الكثير، وخصوصاً ما يدعم نقاشاته مع رفاق المقهى في «ساحة البرج»، فإذا احتدم الجدل، فلا يفصل فيه إلا ضربة سيف موزونة مقفاة، تحسم خلاف الندماء ذلك النهار.
صرت أتذكر شواهد أبي كلما سمعت وسيطاً أممياً يلقي خطاب الاستقالة من مهمة لم تتعدَّ يوماً نطاق القصد، أو الرغبة. وبحكم مهنتي عرفت وسطاء دوليين كثيرين، لعل أشهرهم المبعوث السويدي غونار يارينغ، صاحب القرار 242 الذي طوي في النسيان، والعجز العربي والدولي.
ذكريات يا مولاي، ذكريات. الوالد كان يردد أيضاً في اعتذارياته اليائسة: «لا خيل عندك تهديها ولا مال». وبيان الوداع الذي ألقاه السيد بيدرسون فيه الكثير من مهارة أبي الطيب في تحويل الشعر إلى تعويضٍ صلبٍ، أو هدية لا تحمل، ولا تنقل، ولا ترمى، بل ما هو أهم بكثير. كنيته.
سمير عطا الله
كاتب
لبنان
Comments are closed.