التبرج (2)

قال تعالى:{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}
قالوا:إنّما أُمَرتِ المرأة في الإسلام بالتصوّن والتعفّف، والتستّر والتخلّق؛ حتى لا تشبه المرأة الجاهليَّة التي كانت “تُلقي الخمار على رأسها ولا تَشُدُّه، فيواري قلائدها وقُرُطَها وعُنقها، ويبدو ذلك كله منها..
فيكون ذلك أفتن للرجال، وأشدّ إغراءً لهم بِهَنّ، وكأنَّ دَعْوَةٌ متغنّجِةٌ إيّاهُم إليهنّ؛ فكان لهنّ مِشيةٌ وتكسُّرٌ وتغنّج..
فكانت المرأة العربيّة في الجاهليّة ربما لبست الدرع من اللؤلؤ غير مَخِيط الجانبيْن، بالإضافة إلى الملابس الشفّافة التي كانت تُبْدِي من المرأة ما بالداخل، من الخارج..
وهى صورة الجاهلية الأولى السابقة على الإسلام..
وهو ما يعني أن هناك جاهلية ثانية وثالثة..
ومهما كانت صورة التبرج في الجاهلية فهى لم تكن قد وصلت إلى صورة التبرج الحالية ، أو جزء منها..
إلا أنه بعد ظهور الفرنجة وغزوهم بلاد المسلمين أخذ التبرج صورة أخرى لا تتناسب مع قيمنا وديننا..
منذ ذلك التأريخ اتجهت المرأة لتعرية جسدها من باب تقليد الفرنجة ومحاكاتهم..
لكن السؤال هنا : كيف أثر الفرنجة على النساء..؟
وأين كان الرجال..؟
ولماذا سمحت الحكومات بنمو هذه الظاهرة واستفحالها..؟
ولماذا انهارت قيمنا وثوابتنا وانهارت حصوننا من الداخل أمام موجات الغرب الصليبي..؟
روى السيوطي في حسن المحاضرة حوادث عام 403ه: وفيها حبس – الحاكم بأمر الله- النساء ومنعهن من الخروج في الطرقات، وأحرق الزبيب وقطع الكرم، وغرق العسل..
‬ويصف لنا الجبرتي في تأريخه حال المرأة المصرية أيام بونابرته: وتبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء ،وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ،ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة..
ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقاً عنيفاً مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية-سائق الحمار الساءس- معهم وحرافيش -سفلة-العامة، فمالت إليهن نفوس أهل الاهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن معهن لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن..
وكان ذلك التداخل أولاً مع بعض إحتشام وخشية عار ومبالغة في إخفائه ،فلما وقعت الفتنة الأخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق ،وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات ،صرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال..
فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهن من النساء الفواجر..
وخطب الكثير من الفرنسيين بنات الأعيان وتزوجوهن رغبة في سلطانهم ونوالهم ،فيظهروا الإسلام وينطقون بالشهادتين لأنه ليس لهم عقيدة يخشى فسادها وصار مع حكام الأخطاط منهم النساء المسلمات متزييات بزيهم ،ومشوا معهم في الاخطاط للنظر في أمور الرعية والأحكام العادية والأمر والنهي والمناداة..
وتمشي المرأة بنفسها أو معها بعض أترابها وأضيافها على مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم ،وبأيديهم العصي يفرجون لهن الناس مثل مايمر الحاكم ويأمرن وينهين في الأحكام..
وقد إستمرت المرأة المصرية على‮ ‬نهج محاكاة الإفرنج المستعمرين وتقليدهم طوال العصور اللاحقة وحتي‮ ‬العصر الحالي..
ويسرت حكومات مرحلة ما بعد الاستعمار سبل التفاعل مع ثقافة الغرب – الفرنجة- بداية من التبرج وحتى الشذوذ والإباحية والإلحاد..
وقامت الأدبيات والسينما المصرية – من أيام عبد الناصر- بدعم هذا الثقافة والترويج لها بين المصريين حتي‮ ‬أصبحت أمراً‮ ‬واقعاً‮، ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي الذي تأثر بدعاية عبد الناصر وشعاراته الكاذبة ، وعلى رأسها شعار تحرير المرأة ومساواتها بالرجل ومحاربة الاستعمار..
وكان من الأجدر على من ينادي بالعروبة والقومية ، ويدعى محاربة الاستعمار أن يعمل على إحياء ثقافة الأمة وقيمها..
وأن يقاوم ثقافة الاستعمار الوافدة التي هى أخطر من الاستعمار نفسه والتي أوصلت المرأة إلى درجة تجاوزت حدود التبرج بكثير..
إلا أنه بدعمه هذه الثقافة أكد لنا أنه من أدوات هذا الاستعمار ومن صناعته.

صالح احمد الورداني

كاتب وباحث وصحفي مصري

Comments are closed.