الغوص في اعماق الدهشة شاعرة وقصيدة

قد نعدها مفاجاة حين نقرا قصيدة لشاعرة تضع اهم خطواتها على خارطة الشعر وساحة الادب العراقي بعد ان جابت البراري والجزر البعيدة ونورتها بجميل العبارة وصدق الاحساس بثقة واعتداد بالرغم من ظهور اصوات جميلة تغرد باجمل الشعر بين حين واخر بيد انها محاولات خجولة اوتجارب بسيطة سرعان ما تتلاشى وئيدا وئيدا وتختفي ربما لسبب الانشغالات او الالتزامات العملية الاخرى دون افراط الوقت والجهد لتكرار المحاولات وابتداع اجمل القصائد والتواصل والحضور في الساحة الابداعية بذات الوهج الاولي .

بيد اننا وجدنا في تجربة الشاعرة وهي تضع خطواتها المميزة على الخارطة الشعرية والساحة الابداعية العراقية ما يثلج الصدور ويفرح الانفس ، هذه التجربة التي اشرابت لها الاعناق دهشة وانبهارا برومانسيتها العذبة واجوائها الشاعرية التي تسحب المتلقي الى واحات الابداع التي انشاتها القصيدة وتراه يتجول في انحاءاها مزهوا نشوانا فقرع الجرس الموسيقي الشاعري يجعله يذهب بعيدا مع انثيالاتها الساحرة.

ويحزم حقائبه للنزول في الوديان التي تعج بالاطيار المختلفة والمثابات المؤججة بالدهشة وبين سواقي المياه العذبة وخريرها الحنون ليمضي زمنه وسط هذه الغبطة الغريبة حيث اخذت الشاعرة بيده لتدله على مواطن الجمال والفتنة وتشير باصابعها التي تحكي شعرا لتلك الانحاء المثيرة فيتوق لروح المغامرة ويجازف من اجل ان يشرب من حلم ووهم جميل يعول عليه ان يكون مسارا لحياته مع الاحبة في موسم العشاق فطبق الشاعرة يمنحه ما يرنو ويتطلع واولى هذه المطامح هي اجواء الخيال والرومانسية التي اختفت من الدنيا وحل الجفاف محلها لتمضي النفوس والاعماق والقلوب متعبة صدئة متخشبة خالية من العاطفة والرقة، انه ازاء هذا الشعر العذب الصافي يندفع ليخترق الاهوال والادغال بالثقة والاباء دونما خشية وما سلحه به شعر الشاعرة يكفيه في مواجهاته ومجازفاته ومغامراته.

احتفالية دمع ان الشاعرة انتجت العديد من القصائد التي عددتها مفاجاة الشعر العراقي فهي ذات قدرة وتمكن وحس خاص في صناعة الموضوعة الجميلة التي تتناغم مع الاحاسيس والدواخل عن طريق براعة اسلوبية في الصياغة وبناء الفكرة وسبك الجمل وابتداع المفردات التي تقتحم الاعماق بجماليتها وتاثيرها لتاتي القصيدة ضاجة بالدهشة مؤطرة بالانبهار .وهذا ما لمسناه في قصيدتها الاخيرة الموسومة .

احتفالية دمع

ابتداءا من عنوانها توقع الصدمة في القارىء والمتابع ،وهل يحتفل الدمع .لكن عند الشاعرة الرقيقة ؟ كل شيء هو يحتفل به فالمباهج قليلة وعلينا صناعة المباهج وتاخذنا بتحليق غرائبي ممزوج بالدهشة الى جزيرة تحتشد فيها الغرائبيات كما في قصيدتها لنصنع سعادتنا المفترضة وتنهال علينا مفرداتها الجميلة بتتابع مشوق ومستفز وعند كل مقطع تتسع حدقات عيوننا ونطلق الضحكة ابتهاجا وانبهارا مثل هذا المقطع .

كانت كفاي نوراً وريح ف لماذا يتلبسني الضجر وتدركني شيخوخة المكان ف كلما تغنت بانفاسي مًوسيقى الندى تتسلق عبق أحلامي سفاسف الأسماء وهكذا تجعلنا نشبك اصابعنا وكاننا نتحاشي السقوط عند سماع المقطع وفي مقطع اخر تسرقك من ظنونك تختلط بين نوازعك نزوعك ملحاً في ارض التشظي تمطرك بالشك ف تهجو الطريق وتقضم المدرسة وتقتل الشبابيك.. لتبكيني في حضرة الوقت… الهارب بكلتا يديك

اختيار المفردة ولاشك حتى المفردات بدون مقطع او الجمل القصيرة هي بذات الوهج والابهار فهي تؤكد ثقافة ووعي وحسن اختيار للمفردة المناسبة التي تدخل الافئدة دون جواز مرور وتجعل من العاشق نشوانا سعيدا وكانها قارب نجاة له في بحر العشق المتلاطم الامواج مثل – كفكفتُ شموسي لأبصر صوتهم .. مهرجان أنشودة ٍ للفرح القتيل او – – كلما تنهد البرتقال حاولتُ أعادة ترتيب وجعي كلما أزداد نحول النخيل تلمستُ حرائق دمي او — كلما بكى العندليب محنة السماء سقطت طفولتي عن قامَتَها حتى شاخت .

حكاية العطش

وتختم قصيدتها بهذا المقطع الرائع الذي وظفت فيه عطش عترة الامام الحسين في فاجعة كربلاء حيث العطش الشديد الذي عانت منه وحرمهم الاوباش المجرمين في يوم العاشر من محرم الحرام سنة 62 للهجرة من شرب الماء وجلبه من نهر الفرات حين رفض الامام الحسين عليه السلام مبايعة يزيد بن معاوية على خلافة المسلمين وحدثت المواجهة الشديدة بين الحسين وانصاره وجيش المنحرفين المنافقين وكانها ارادت بواسطة هذا التوظيف ان تبين ان العطاشى في كل زمان ومكان ينتظرون من يجلب لهم الماء ويسقيهم وينقذهم من العطش الشديد لاسيما اهل المحبة والباحثين عن السعادة بين جمال الحب وتضاريس الهيام وما هذه الصورة الرائعة التي ارادت بوساطتها الايماء سوى يقين وايمان بدروس التاريخ وعبره وكذلك الاشارة الى عظم الواقعة وخلودها على مدى الزمن وارتباطها بالوجدان الشعبي وهو توظيف موفق لاجل ان تخرج القصيدة مستوفية كل عناصر الابداع والتوهج فيها ولعل هذه المقالة عن تجربة وقصيدة الشاعرة زنبقة حمراء لتجربة جميلة ولم يبق فيها غير القول والتاكيد – اشهد انك شاعرة-

عبد الحميد الكناني

كاتب وصحفي / عراقي

 

 

Comments are closed.