لندن (عربي times)
شجع توغل الجيش الأوكراني في مقاطعة كورسك الحدودية الروسية حلفاء كييف على تقديم مزيد من الدعم، وعزز الآمال بزيادة الضغوط على موسكو وحملها على التفاوض لإنهاء الحرب المندلعة منذ نحو 30 شهرًا.
ولكن هذه “المجازفة” الأوكرانية في اقتحام الأراضي الروسية شكلت، في المقابل، حافزًا لحلفاء موسكو كي يعبروا عن دعمهم ومساندتهم، كما هو الحال بالنسبة لبيلاروسيا التي حشدت قرابة ثلث قواتها على الحدود مع أوكرانيا، بحسب تصريحات الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الذي لم يفصح عن عدد تلك القوات.
رغم أن هذه التحشيدات البيلاروسية جاءت في إثر مخاوف من تسلل أوكراني لأراضيها كما حصل في كورسك، غير أنها جاءت كذلك تعبيرًا عن التضامن مع موسكو التي تربطها علاقات قوية مع مينسك.
ويوجد سؤال يبرز هنا، وهو ما تأثير مواقف حلفاء كييف وموسكو على فرض السلام في إثر التوغل في كورسك، والذي يمكن عدُّه أول “احتلال” للأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.
“لن نتفاوض”
يرى خبراء أن التوغل الأوكراني أهدر كثيرًا من الجهود التي بذلت في سبيل عقد مفاوضات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
ويتابع الخبراء بأنه على الرغم من عدم وجود بوادر لمثل هذه المفاوضات الشاملة قبل التوغل في كورسك، غير أن هذا التسلل أغلق تمامًا نافذة الحوار، على الأقل، في المدى المنظور.
وعبرت موسكو، من دون لبس، عن مثل هذا التوجه، إذ رأى مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف أنه لن يكون من المناسب لموسكو الدخول في عملية تفاوضية مع أوكرانيا، في خضم هجومها الأخير على كورسك.
وقال أوشاكوف “في هذه المرحلة، ونظرًا لهذه المغامرة المتمثلة في هجوم كورسك، لن نتفاوض.
ويبدو أن التعليق الروسي جاء ردًّا على تصريحات أوكرانية أفادت بأن الهدف من الهجوم على الأراضي الروسية هو إجبار موسكو على التفاوض بناءً على شروط “منصفة”، فضلًا عن محاولة “إنشاء منطقة حدودية عازلة”.
وبحسب خبراء، تراهن كييف على مخاطرة كبيرة؛ وهي أن التوغل يمنحها نفوذًا جديدًا لإبرام صفقة مواتية مع الكرملين، حتى مع بقاء جيشها في وضع دفاعي عبر معظم خطوط المواجهة في أوكرانيا.
وعلى الصعيد العسكري، تتوقع كييف أن تزيد روسيا قواتها في أوكرانيا إلى 800 ألف فرد بحلول نهاية العام صعودًا من 600 ألف حاليًّا، وفقًا لتقرير نشرته مجلة “فوربس” أوكرانيا نقلًا عن إيفان هافريليوك نائب وزير الدفاع الأوكراني.
وكان تقرير لـ “نيويورك تايمز” قال، يوجد دلائل تظهر أن جهود السلام عانت “انتكاسة”، مضيفًا أن المسؤولين الروس أرجؤوا اجتماعًا، بعد هجوم كورسك، كان من المقرر عقده في قطر هذا الشهر للتفاوض على اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار، يمتنع خلاله الجانبان عن شن الهجمات على البنية الأساسية للطاقة لدى كل منهما.
رمزية كورسك
وإزاء هذه التطورات، والتراشق الإعلامي الحاد، يرجح مراقبون أن شتاءً ساخنًا ينتظر الحرب الروسية الأوكرانية.
ومثلما أن حلفاء موسكو يظهرون لها مظاهر التأييد، فإن الغرب، من جانبه، يبذل وعودًا سخية لكييف بعدما وجهت صفعة لموسكو عبر التوغل في كورسك، الأمر الذي أعاد الروح إلى معنويات الجيش الأوكراني التي كانت قد وصلت إلى الحضيض، على وقع تقدم روسيا في مناطق شرق أوكرانيا، وفقًا لتقارير.
وتعليقًا على ذلك، تقول ألينا فرولوفا، خبيرة الأمن ونائبة وزير الدفاع الأوكراني السابقة: “لقد غير الهجوم على كورسك الرواية المتداولة، كان الوضع الذي نخسر فيه الأراضي تدريجيًّا ليس وضعًا جيدًا”.
وتضيف: “لقد تغير الموقف الإستراتيجي لأوكرانيا”.
وتتمتع منطقة كورسك برمزية خاصة في التاريخ الروسي، إذ إنها شهدت أكبر معركة دبابات في التاريخ خلال الحرب العالمية الثانية، وهي المعركة التي مثلت نقطة تحول في تلك الحرب عندما أطلقت ألمانيا عملية “القلعة” والتي كانت بمنزلة رد الزعيم النازي هتلر على هزيمته المدمرة على يد الجيش الأحمر السوفيتي في معركة ستالينغراد.
وقعت معركة كورسك، صيف عام 1943، وشهدت نجاح القوات السوفييتية في إحباط هجوم مضاد كبير للنازيين الألمان، ولعقود من الزمن كان انتصار السوفييت في كورسك مصدر فخر كبير للروس بعدِّها نقطة تحول، إذ استولى الجيش الأحمر على زمام المبادرة.
رغم أن التقارير لم تركز على هذه الرمزية التاريخية لمدينة لمنطقة كورسك، ولكن يبدو أن “العقيدة البوتينية”، مدركة لذلك، إذ نقلت تسريبات إعلامية عن مسؤولين روس قولهم إن تركيز بوتين الآن “ليس السلام، بل الانتقام”.
Comments are closed.