3 حسابات استراتيجية كسرت “صمت الصين”

واشنطن (عربي times)

سلّط معهد “روبرت لانسينغ إنستيتيوت” الأمريكي الضوء على دوافع تنازل الصين عن “صمتها الاستراتيجي” إزاء الحرب الروسية الأوكرانية، وتنامي مشاركتها الدبلوماسية بعد أن اعتادت التزام الحياد، قائلاً إن لبكين 3 حسابات استراتيجية بالغة الأهمية وراء اقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا.

وقال المعهد إن تنامي المشاركة الدبلوماسية لبكين في الحرب بأوكرانيا، خاصةً دعوتها لوقف إطلاق النار، أثار تساؤلات جوهرية حول دوافعها الاستراتيجية وعواقبها الجيوسياسية الأوسع.

فبينما تُقدّم الصين نفسها كجهة محايدة تسعى إلى السلام، يتقاطع موقفها مع شراكتها طويلة الأمد مع روسيا، ومنافستها مع الغرب، وتطلعاتها إلى القيادة العالمية.

منذ عام 2014، وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، عززت الصين وروسيا علاقاتهما الاستراتيجية.

وينبع دعم جمهورية الصين الشعبية لموسكو من معارضتهما المشتركة للهيمنة الأمريكية العالمية، والمصالح المشتركة في أوراسيا، والترابط الاقتصادي، إلا أن السياسة الخارجية الصينية لطالما استرشدت بمبدأ عدم التدخل، ما يجعل موقفها من أوكرانيا بالغ الحساسية.

ورأى المعهد أن هناك حسابات استراتيجية صينية وراء اقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا، تتمثل في ثلاثة أمور: الاستقرار الاقتصادي، إذ تسعى الصين إلى منع المزيد من الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وأسواق الطاقة، مما قد يهدد انتعاشها الاقتصادي واستثماراتها في مبادرة الحزام والطريق.

ثانيا، ما يتعلق بأمن الطاقة، بعد أن أصبحت روسيا مورداً رئيساً للنفط والغاز بأسعار مخفضة، ما يجعل من الضروري للصين الحفاظ على هذه الشراكة من دون الانجرار إلى عقوبات.

أما ثالثا، فيعود اندفاع الصين نحو التوسط لوقف الحرب إلى التعددية القطبية والنظام العالمي، إذ تستخدم الصين خطاب وقف إطلاق النار لتضع نفسها كصانعة سلام في عالم يزداد انقساماً على أسس جيوسياسية، وهذا يدعم هدفها طويل الأمد المتمثل في إعادة تشكيل النظام الدولي.

وأكدت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو عام 2023 العمق الاستراتيجي للعلاقات الصينية الروسية.

وبينما تجنبت بكين تأييد الحرب مباشرةً، صاغ الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي، تعاونهما كقوة موازنة للتحالفات التي تقودها الولايات المتحدة.

ورغم عدم توقيع أي اتفاق عسكري رسمي، فإن حضور شي وفر لموسكو غطاءً دبلوماسيًا وطمأنها باستمرار الدعم الاقتصادي والسياسي.

يسعى موقف الصين المتوازن إلى إبقاء أبواب التعاون مفتوحة مع الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري المهم، إلا أن الانحياز المُتصوّر إلى موسكو يُثير الشكوك في بروكسل ويُقوّض صورة بكين كجهة محايدة.

ويُلقي خطاب السلام الذي تُقدّمه بكين بظلاله على دول الجنوب العالمي، إذ تُثير العسكرة الغربية شكوكًا كبيرة.

ومن خلال تشجيع الحوار على المواجهة، تُعزّز الصين صورتها كقوة عظمى مسؤولة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.

وبحسب المعهد، ثمة تأثيرات للدعوة الصينية لوقف إطلاق النار سواء على أوكرانيا أو حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

وبالنسبة لأوكرانيا، “قد يُجمّد وقف إطلاق النار السابق لأوانه خطوط الصراع، ويُقلّل من الزخم الدولي، ويُشرّع الاحتلال الروسي”.

أما بالنسبة لحلف “الناتو”، “قد يُقوّض دور الصين كوسيط سلام، وحدة الناتو، إذا ما انجرّ أعضاؤه إلى مواقف متباينة حول كيفية إنهاء الحرب”.

وترحب موسكو علناً بجهود الصين لوقف إطلاق النار، معتبرةً إياها وسيلةً لتقسيم الغرب وتغيير الخطاب الدبلوماسي، إلا أنه قد يكون هناك، سراً، قلقٌ من تنامي نفوذ بكين وتركيزها على الاستقرار بدلاً من النصر العسكري.

ووفقا للمعهد، “لا ينبع دعم الصين لوقف إطلاق النار في أوكرانيا من ضرورات أخلاقية، بل من حسابات استراتيجية؛ فبينما يُعزز هذا الدعم صورة بكين العالمية ويحمي مصالحها، فإنه يُشكل مخاطر على أوكرانيا، وقد يُعزز طموحات روسيا الإقليمية”.

وأكد المعهد وجوب أن يفهم صانعو السياسات الغربية الدوافع الدقيقة وراء الدبلوماسية الصينية لمعالجة الآثار طويلة المدى على الأمن الأوروبي والنظام العالمي بفاعلية.

Comments are closed.