الآن الآن وليس غداً

بينما أنت مشدود للشاشات العربية والنقل المباشر لسقوط الصواريخ كالمطر على أهالي غزة ، يستأذنك طفلك الصغير بطلب (الريموت كنترول) والتحوّل الى قناة خاصة بأفلام الكارتون ،فتسلمه الراية وتستريح قليلاً استراحة المحارب بأضعف الإيمان ، في عصر الصورة الذي يضعك في قلب المعركة وصورة الحدث لحظةً بلحظة ، فالأجيال الجديدة بعيدة او مبعدة عن هذه القضية وفلسطين لا وجود لها في مناهجهم الدراسية، و قضيتهم المركزية جهاز الموبايل وتطبيقاته وألعابة الألكترونية، وقد فاتت عليهم الكثير من القصص والدروس المفهومة وغير المفهومة خلال 75 عاماً من عمر القضية ، وولدوا مع الولادة المشوهة لفلسطين الجديدة برأسين، غزة والضفة الغربية ، و في زمن الإنقسامات العمودية والأفقية،واذا كانت فصول القضية واضحة لمن عاصروها والخنادق مفروزة ، فأنها مستعصية الفهم على أبناء هذا الجيل المنشغل الذي ولد في نهاية الفيلم العربي الحزين، ويرى أن كل الحكاية هي معبر رفح وإرسال الأدوية والمواد الغذائية الى غزة ، وإرسال طائرات الشحن الامريكية المحملة بالصواريخ والمركبات المدرعة الى تل ابيب , في الوقت نفسه ، كيف يمدون طرفاً بالغذاء وطرفاً بالسلاح الفتاك؟ وكيف يفهم أبناء هذا الجيل الفرق بين فكرة تهجير سكان غزة الى صحراء سيناء و مقترح تهجيرهم الى صحراء النقب ، ولماذا الصحارى بالذات وليس السهول والمدن الساحلية؟ ولماذا يدعو طرف الى توسيع رقعة الحرب والطرف الآخر الى تضييقها ، ويشاهد للمرة الأولى في تاريخ المؤتمرات الصحفية ( ديكور) مختلف لجثث الأطفال أمام المنصة ومراسلي القنوات الفضائية على أنقاض مستشفى المعمداني في غزة وبحضور منظمة أطباء بلا حدود التي قالت المتحدثة الاعلامية بإسمها (سقط سقف غرفة العمليات وسقط معه ضمير العالم).
كيف يفهم هذا الجيل كثرة الوعود في هذه القضية ، وعد بلفور ووعد العودة ووعد التحرير ووعد السلام ووعد حل الدولتين ، ووعد الله لعباده الصابرين ، وكيف نقنعهم ،الآن الآن وليس غداً ، بضرورة إعادة (الريموت كنترول) لجيل الآباء ليواصلوا متابعة الأخبار العاجلة ومعرفة موقف اللاعب محمد صلاح الذي سيقلب موازين القوى ومواصلة التفرّج على النقل المباشر والقتل المباشر..”يا تلاميذ غزة علمونا بعض ماعندكم فنحن نسينا”.
عبدالهادي مهودر

جريدة الصباح

العراق

Comments are closed.