لماذا نعجز عن سماع الصرخات من جباليا؟

في الحقيقة يا سادتي هذه المقالة ليست درسا في علوم النباتات والأحيــاء ولكنها درس ربما في علوم الأموات الذين هم على قيد الحيــاة، إنها محاولة للفرار من العيادة النفسية لجباليا التي تحاول بدورها تحليل نفوسنا واستعصاء عجزنا عن سماع أصوات الناحبين أوالمحترقين، محاولة لتشريح بلادة الجهاز العصبي المركزي وحتى قشرة الدماغ والفص الجبهي المشهور عادة ببعض النخوة أو الشهامة، لمن تنادي يا غزة ولمن تبكين يا جباليا ؟ عما تبحثين يا أيتها الصغيرة في فـلاة اللؤم وبحر الانحطاط وقبائل القرن الحادي والعشرين؟

في تاريخ القفزات العلمية التقنية يمكن الحديث عن كثير من الاختراعات والابتكارات التي تغلغلت في تأثيرها الإجتماعي، كانت الآلة البخارية أو (القطارلاحقـا) تمثل وسيلة الربط بين المجتمعات والمدن والأرياف وتولدت بتأثيرها ثقافات ومهن تركت بصمتها في البشرية، جاء الهاتف على يد (الكسندر بل) ليحدث طفرة في تشابك المجتمعات ويقربها و يعجل من دينامياتها، ثم جاء الراديو كوسيلة ربط جديدة صنعت انماطا من مجتمعات البشر وطبقات جديدة من الوعي، تلى ذلك اختراع التلفزيون ليكون الثورة الأكبر في مزج المجتمعات البشرية وفرض ايقاع جديد من الحياة عليها، تدرج الأمر حتى زماننا هذا ليكون لدينا وسائط تواصل منفتحة الآفاق لها ثلاث مزايا رئيسية : أنها تجمع بين الآلة والبرمجة وليس الالة المصمتة فقط – أنها وسائط مرافقة دائمة محمولة باليد في أي مكان وقريبا جدا ستكون تحت الجلد – ثالثا أنها ذكية وقادرة على توجيه المرء دون أن يدري انها تتحكم به ولو بدا له أنه يتحكم بها، هذه الكيانات الكهرومغناطيسية لها أسماء من مثل :  تيك توك – سناب شات – فيسبوك – جوجل – تلغرام – واتس أب ……

هذه التقنيات مزجت ثقافات شعوب العالم في كوكتيل واحد وأذابت المعالم الخاصة بكل مجتمع و فتحت حدود الاتصال والتواصل والتشابك بلا حدود ولا قيود، دوما ما تحمل مثل هذه التقنيات آفاقا واعدة من النوايا الحسنة في بداية الشوط ولكنها بقدرة قادر تنقلب على الكينونة البشرية، إنها تشبه حبوب الدواء، تشفيك من جهة ما ولكنها تترك آثارا جانبية على المدى الطويل قد تكون أشد خطرا من المرض الذي حاولت شفاءه، في فلسفة العلم تتداخل هذه التقنيات مع الطبائع وتنشأ بينها وبين النفس الإنسانية علاقات خفية ما، لقد اصبح المواطن العالمي أمام انفاق واسعة الفوهات من التشابك والحيرة والاختلاط المخيف وليس المحمود كما قد يقتنع الكثيرون.

خالد شحام

فلسطين

Comments are closed.